ولا يَبلغُ وليٌّ دَرَجَةَ الأنبياءِ أصلاً.
قال الشارح: (ولا يبلغ الولي درجة الأنبياء) لأن الأنبياء معصومون مأمونون عن خوف الخاتمة مكرمون بالوحي ومشاهدة الملك، مأمورون بتبليغ الأحكام وإرشاد الأنام بعد الاتصاف بكمالات الأولياء، فما نقل عن بعض الكرامية من جواز كون الولي أفضل من النبي كفر وضلال، نعم قد يقع تردد في أن مرتبة النبوة أفضل أم مرتبة الولاية بعد القطع بأن النبي متصف بالمرتبتين وأنه أفضل من الولي الذي ليس بنبي.
قال الخيالي:
قوله: (ولا يبلغ ولي درجة الأنبياء) والأولى أن يذكره في مباحث النبوة لأنه من مقاصد الفن.
ولا يَصِلُ العبدُ إلى حيثُ يَسقُطُ عنهُ الأمرُ والنهيُ.
قال الشارح: (ولا يصل العبد) ما دام عاقلاً بالغاً (إلى حيث يسقط عنه الأمر والنهي) لعموم الخطابات الواردة في التكاليف وإجماع المجتهدين على ذلك.وذهب بعض الإباحيين إلى أن العبد إذا بلغ غاية المحبة وصفا قلبه واختار الإيمان على الكفر من غير نفاق سقط عنه الأمر والنهي ولا يدخله الله تعالى النار بارتكاب الكبائر وبعضهم إلى أنه يسقط عنه العبادات الظاهرة من الصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك، وتكون عبادته التكفر، وهذا كفر وضلال فإن أكمل الناس في المحبة والإيمان هم الأنبياء خصوصاً حبيب الله تعالى، مع أن التكاليف في حقهم أتم وأكمل، وأما قوله عليه السلام: “إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب” فمعناه أنه عصمه من الذنوب فلم يلحقه ضررها.
قال الخيالي:
قوله: (فمعناه أنه عصمه من الذنوب) أو معناه أنه وفقه للتوبة الخالصة والتائب كمن لا ذنبه له.
والنصوصُ تُحمَلُ على ظَواهِرِهَا.
قال الشارح: (والنصوص) من الكتاب والسنة تحمل (على ظواهرها) ما لم يصرف عنها دليل قطعي كما في الآيات التي يشعر ظواهرها بالجهة والجسمية ونحو ذلك، لا يقال: ليست هذه من النص بل من المتشابه، لأنّا نقول: المراد بالنص هاهنا ليس ما يقابل الظاهر والمفسر والمحكم، بل ما يعم أقسام النظم على ما هو المتعارف.
قال الخيالي:
قوله: (لا يقال هذه ليست من النص) اعلم أن اللفظ إذا ظهر منه المراد فإن لم يحتمل النسخ فمحكم وإلا فإن لم يحتمل التأويل فمفسر وإلا فإن سيق لأجل ذلك المراد فنص وإلا فظاهر وإذا خفي المراد فإن خفي لعارض فخفيّ وإن خفي لنفسه وأدرك عقلا فمشكل أو نقلا فمجمل أو لم يدرك أصلا فمتشابه.
قال السيالكوتي:
قوله: (اعلم أن اللفظ إذا ظهر المراد منه…إلخ) مثال المحكم قوله عليه السلام: “الجهاد ماض إلى يوم القيامة” فإن قوله: يوم القيامة سد باب النسخ، ومثال المفسر قوله تعالى: ﱡﭐ ﲰ ﲱ ﲲ ﱠ فإن قوله: ﱡﭐﲲ ﱠ سد باب التخصيص لكنه يحتمل النسخ لكونه حكمًا شرعيًا، ومثال النص قوله تعالى: ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂﱠ فإنه سيق لبيان العدد فهو نص فيه وظاهر في حل النكاح؛ لأنه قد علم الحل من آية أخرى؛ أعني قوله تعالى: ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ ومثال الخفي قوله تعالى: ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ فإنه قد خفي في النباش والطرّار لاختصاصهما باسم آخر، ومثال المشكل قوله تعالى: ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ فإنه قد وقع الإشكال في الفم فإنه باطن من وجه حتى لا يفسد الصوم بابتلاع الريق، وظاهر من وجه حتى لا يفسد بدخول شيء في الفم، فاعتبرنا الوجهين فألحق بالظاهر في الطهارة الكبرى حتى وجب غسله في الجنابة، وبالباطن في الصغرى فلا يجب غسله في الحدث الأصغر، وهذا أولى من العكس؛ لأن قوله تعالى: ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ بالتشديد يدل على التكلف والمبالغة، ومثال المجمل قوله تعالى: ﱡﭐ ﱚ ﱛﱠ لأن الربا في اللغة الفضل، وليس كل فضل حرامًا بالإجماع ولم يعلم أن المراد أي فضل، ثم لم بين النبي عليه السلام بالأشياء الستة أحتيج بعد ذلك إلى الطلب والتأمل ليعرف علته ويحكم في غير الأشياء الستة، ومثال المتشابه المقطعات في أوائل السور واليد والوجه ونحوها كذا في التوضيح.
والعدولُ عنها إلى معانٍ يَدّعيها أهلُ الباطنِ إلحادٌ. ورَدُّ النصوصِ كُفرٌ، واستحلالُ المعصيةِ والاستهانةُ بها كُفرٌ، والاستهزاءُ على الشريعةِ كُفرٌ.
قال الشارح: (فالعدول عنها) أي: عن الظواهر (إلى معان يدعيها أهل الباطن) وهم الملاحدة وسموا الباطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها بل لها معان باطنة لا يعرفها إلا المعلم وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية (إلحاد) أي: ميل وعدول عن الإسلام، واتصال واتصاف بكفر، لكونه تكذيباً للنبي عليه السلام فيما علم مجيئه به بالضرورة. وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص محمولة على ظواهرها ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان. (ورد النصوص) بأن ينكر الأحكام التي دلت عليها النصوص القطعية من الكتاب والسنة كحشر الأجساد مثلاً (كفر) لكونه تكذيباً صريحاً لله تعالى ورسوله عليه السلام، فمن قذف عائشة بالزنا كفر. (واستحلال المعصية) صغيرة كانت أو كبيرة (كفر) إذا ثبت كونها معصية بدليل قطعي، وقد علم ذلك فيما سبق. (والاستهانة بها كفر، والاستهزاء على الشريعة كفر) لأن ذلك من أمارات التكذيب.
قال الخيالي:
قوله: (إذا ثبت كونها معصية بدليل قطعي) ولم يكن المستحيل مؤولا في غير ضروريات الدين فتأويل الفلاسفة دلائل حدوث العالم ونحوه لا يدفع كفرهم هذا في غير الإجماع القطعي متفق عليه وأما كفر منكره ففيه خلاف.
قال السيالكوتي:
قوله: (ولم يكن المستحيل…إلخ) يعني أن تكفير هذا متصور بوجهين أحدهما أن لا يكون مؤولًا أصلًا أو يكون مؤولًا ولكن في ضروريات الدين، وعلى كلا التقديرين يكفر.
قوله: (فتأويل الفلاسفة…إلخ) أي إذا كان عدم الكفر مشروطًا بأن لا يكون مستحله مؤولًا في غير ضروريات الدين فتأويل الفلاسفة لدلائل حدوث العالم ونحوه مثل الجنة والنار والتنعيم والتعذيب لا يدفع كفرهم؛ لأن ذلك من ضروريات الدين، والتأويل في ضروريات الدين لا يدفع الكفر.
قوله: (هذا في غير الإجماع…إلخ) يعني كون استحلال المعصية الثابتة بالدليل موجبًا للكفر إنما هو في غير الإجماع القطعي من الكتاب والسنة، وأما كفر منكر الإجماع القطعي ففيه خلاف، قال الشارح في التلويح: أما الحكم الشرعي المجتمع عليه فإن كان إجماعًا ظنيًا فلا يكفر جاحده اتفاقًا، وإن كان قطعيًا فقيل: يكفر وقيل لا يكفر، والحق أن نحو العبادات الخمس مما علم بالضرورة كونه من الدين يكفر جاحده اتفاقًا، وإنما الخلاف في غيره.
قال الشارح: وعلى هذه الأصول يتفرع ما ذكر في الفتاوى من أنه إذا اعتقد الحرام حلالاً فإن كان حرمته لعينه وقد ثبت بدليل قطعي يكفر وإلا فلا؛ بأن تكون حرمته لغيره أو ثبت بدليل ظني. وبعضهم لم يفرق بين الحرام لعينه ولغيره، فقال: من استحل حراماً قد علم في دين النبي عليه السلام تحريمه كنكاح ذوي المحارم أو شرب الخمر أو أكل ميتة أو دم أو لحم خنزير من غير ضرورة فكافر، وفعل هذه الأشياء بدون الاستحلال فسق، ومن استحل شرب النبيذ إلى أن يسكر كفر. أما لو قال لحرام: هذا حلال لترويج السلعة أو بحكم الجهل لا يكفر، ولو تمنى أن لا يكون الخمر حراماً أو لا يكون صوم رمضان فرضاً لما يشق عليه لا يكفر، بخلاف ما إذا تمنى أن لا يحرم الزنا وقتل النفس بغير حق فإنه كفر، لأن حرمة هذه الأشياء ثابتة في جميع الأديان، موافقة للحكمة، ومن أراد الخروج عن الحكمة فقد أراد أن يحكم الله بما ليس بحكمة، وهذا جهل منه بربه. وذكر السرخسي في كتاب الحيض: أنه لو استحل وطء امرأته الحائض يكفر، وفي النوادر: عن محمد رحمه الله أنه لا يكفر، وهو الصحيح. وفي استحلاله اللواطة بامرأته لا يكفر على الأصح. ومن وصف الله بما لا يليق أو سخر باسم من أسمائه أو بأمر من أوامره أو أنكر وعده ووعيده يكفر. وكذا لو تمنى أن لا يكون نبي من الأنبياء على قصد استخفاف أو عداوة، وكذا لو ضحك على وجه الرضى لمن تكلم بالكفر، وكذا لو جلس على مكان مرتفع وحوله جماعة يسألونه مسائل ويضحكونه ويضربونه بالوسائد كفروا جميعاً.وكذا لو أمر رجلاً أن يكفر بالله أو عزم على أن يأمره بكفر، وكذا لو أفتى لامرأة بالكفر لتبين من زوجها، وكذا لو قال عند شرب الخمر أو الزنا بسم الله، وكذا إذا صلى لغير القبلة أو بغير طهارة متعمداً يكفر، وإن وافق ذلك القبلة، وكذا لو أطلق كلمة الكفر استخفافاً لا اعتقاداً إلى غير ذلك من الفروع.
قال الخيالي:
قوله: (موافقة للحكمة) أي: في حد ذاتها مع قطع النظر عن حال الأشخاص والأزمان لعدم اختلافها باختلاف تلك الحال وأما مثل حرمة
الخمر فالحكمة فيه ليست ذاتية فتمني خلافه يحتمل أن يكون إرادة تبديل حال الأشخاص والأزمان.
واليأسُ مِن رحمةِ الله تعالى كُفرٌ، والأمنُ من عَذَابِ الله تعالى كُفرٌ.
قال الشارح: (واليأس من الله تعالى كفر) لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. (والأمن من الله تعالى كفر) إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. فإن قيل: الجزم بأن العاصي يكون في النار يأس من الله تعالى، وبأن المطيع يكون في الجنة أمن من الله فيلزم أن يكون المعتزلي كافراً مطيعاً كان أو عاصياً، لأنه إما آمن أو آيس،
قال الخيالي:
قوله: (فإن قيل الجزم بأن العاصي يكون في النار يأس) أي: على تقدير كون الجازم عاصيا وقس عليه قوله آمن.
قال السيالكوتي:
قوله: (أي على تقدير كون الجازم عاصيًا) إنما قيد بهذا ليصح ترتب قوله: “فيلزم أن يكون المعتزلي مطيعًا أو عاصيًا كافرا” لأنه إما أمن أو يأس.
قال الشارح: ومن قواعد أهل السنة أن لا يكفر أحد من أهل القبلة. قلنا: هذا ليس بيأس ولا أمن، لأنه على تقدير العصيان لا ييأس أن يوفقه الله تعالى للتوبة والعمل الصالح، وعلى تقدير الطاعة لا يأمن أن يخذله الله فيكتسب المعاصي، وبهذا يظهر الجواب عما قيل: إن المعتزلي إذا ارتكب كبيرة لزم أن يصير كافراً ليأسه من رحمة الله تعالى ولاعتقاده أنه ليس بمؤمن، وذلك لأنا لا نسلم أن اعتقاد استحقاقه النار يستلزم اليأس وأن اعتقاد عدم إيمانه المفسر بمجموع التصديق والإقرار والأعمال بناء على انتفاء الأعمال يوجب الكفر. هذا والجمع بين قولهم: لا يكفر أحد من أهل القبلة، وقولهم: يكفر من قال بخلق القرآن واستحالة الرؤية أو سب الشيخين أو لعنهما وأمثال ذلك مشكل.
قال الخيالي:
قوله: (و من قواعد أهل السنة…إلخ) معنى هذه القاعدة أنه لا يكفر في المسائل الاجتهادية إذ لا نزاع في تكفير من أنكر ضروريات الدين ثم إن هذه القاعدة للشيخ الأشعري وبعض متابعيه وأما البعض الآخر فلم يوافقوهم وهم الذين كفروا والمعتزلة والشيعة في بعض المسائل فلا احتياج إلى الجمع لعدم اتحاد القائل.
قال السيالكوتي:
قوله: (معنى هذه القاعدة…إلخ) دفع لما يقال ممن واظب طول عمره على الطاعات ومع ذلك اعتقد قدم العالم يلزم أن لا يكفر؛ لأنه من أهل القبلة، وحاصل الدفع أن هذه القاعدة إنما هو في المسائل الاجتهادية لا في ضروريات الدين إذ منكرها كافر بالاتفاق، ولا يخفى أنه لا حاجة إلى هذا التقييد؛ لأن أهل القبلة هم الذين اتفقوا على ما هو من ضروريات الدين، فمن واظب على الطاعات مع عدم اعتقاد ضروريات الدين لا يكون من أهل القبلة.
قوله: (ثم إن هذه القاعدة…إلخ) المقصود دفع ما ذكره الشارح فيما سيأتي بقوله هذا، والجمع بين قولهم لا يكفر أحد من أهل القبلة وقولهم يكفر من قال بخلق القران وأمثاله مشكل، ووجه الدفع أن هذه القاعدة من الشيخ الأشعري، وتابعه أكثر الفقهاء وهو المروي في الملتقى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وأما البعض الآخر من الفقهاء فلم يوافقهم في تلك القاعدة وقالوا: نكفرالشيعة والمعتزلة، فلا يتحد القائل بالقضيتين فلا احتياج إلى الجمع.
وتصديقُ الكاهِنِ بما يُخبرُه ُ عن الغَيبِ كُفرٌ.
قال الشارح: (وتصديق الكاهن بما يخبره عن الغيب كفر) لقوله عليه السلام: “من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد عليه السلام” والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار ومطالعة علم الغيب، كان في العرب كهنة يدعون معروفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئياً من الجن وتابعة تلقى إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه.
والمنجم إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن.
قال الخيالي:
قوله: (ومطالعة علم الغيب) أي: اطلاعه فلا ينافي أن يكون بإلقاء الجن.
قوله: (أن له رئيا من الجن) قال في الصحاح يقال به رئيّ من الجن أي مس فالمعنى أن له تعلقا وقربا من الجن ورئي على وزن فعيل وتابعة بالنصب عطف على رئيا وهو اسم لقرين من الجن.
قال السيالكوتي:
قوله: (أي اطلاعه…إلخ) يعني ليس المراد بالمطالعة ما يتبادر منه من كونه بلا واسطة، بل الاطلاع مطلقًا سواء كان بلا واسطة أو بواسطة إلقاء الجن.
قوله: (والمعنى أن له تعلقًا وقربًا…إلخ) أي معنى أنه له مس من الجن أن له تعلقًا وقربًا من الجن لا المعنى الظاهر من المس وهو الملامسة. قوله: (رئي فعيل) من رأى يرآى فهو رئي بمعنى فاعل فالمعنى أن له تعلقًا وقربًا من الجن.
قوله: (وتابعة اسم لفريق من الجن) والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الإسمية.
والمَعدُومُ ليس بشىءٍ. وفي دُعاءِ الأحياءِ للأمواتِ وصَدَقَتِهِم عنهم نفعٌ لهم. والله تعالى يُجيبُ الدعواتِ، ويَقضي الحَاجَاتِ.
قال الشارح: وبالجملة العلم بالغيب أمر تفرد به الله تعالى، لا سبيل إليه للعباد إلا بإعلام منه تعالى وإلهام بطريق المعجزة أو الكرامة أو إرشاد إلى استدلال بالأمارات فيما يمكن ذلك فيه، ولهذا ذكر في الفتاوى أن قول القائل عند رؤية هالة القمر: يكون المطر، مدعياً علم الغيب لا بعلامة كفر، والله أعلم. (والمعدوم ليس بشيء) إن أريد بالشيء الثابت المتحقق على ما ذهب إليه المحققون من أن الشيئية ترادف الوجود والثبوت، والعدم يرادف النفي. وهذا حكم ضروري لم ينازع فيه إلا المعتزلة القائلون بأن المعدوم الممكن ثابت في الخارج.
وإن أريد أن المعدوم لا يسمى شيئاً فهو بحث لغوي مبني على تفسير الشيء أنه الموجود أو المعدوم أو ما يصح أن يعلم أو يخبر عنه، فالمرجع إلى النقل، وتتبع موارد الاستعمال. (وفي دعاء الأحياء للأموات وتصدقهم) أي: تصدق الأحياء (عنهم) أي: عن الأموات (نفع لهم) أي: للأموات، خلافاً للمعتزلة تمسكاً بأن القضاء لا يتبدل، ولك نفس مرهونة بما كسبت، والمرء مجزي بعمله لا بعمل غيره. ولنا ما ورد في الحديث الصحاح من الدعاء للأموات خصوصاً في صلاة الجنازة، وتقد توارثه السلف، فلو لم يكن للأموات نفع فيه لما كان له معنى، قال صلى الله عليه وسلم: “ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه”، وعن سعد بن عبادة أنه قال: يا رسول الله، إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل ؟ قال: الماء، فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد، وقال عليه السلام: “الدعاء يرد البلاء، والصدقة تطفئ غضب الرب” وقال عليه السلام: “إن العالم والمتعلم إذا مرا على قرية فإن الله يرفع العذاب عن مقبرة تلك القرية أربعين يوماً” والأحاديث والآثار في هذا الباب أكثر من أن تحصى. (والله تعالى يجيب الدعوات ويقضي الحاجات) لقوله تعالى: ﱡﭐﱏ ﱐ ﱑﱠ ولقوله عليه السلام: “يستجاب للعبد ما لد يدع بإثم أو قطعية رحم ما لم يستعجل” ولقوله عليه السلام: “إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه غليه أن يردهما صفراء” .واعلم أن العمدة في ذلك صدق النية وخلوص الطوية وحضور القلب، لقوله عليه السلام: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاهٍ”. واختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال: يستجاب دعاء الكافر، فمنعه الجمهور لقوله تعالى: ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ ولأنه لا يدعو الله تعالى لأنه لا يعرفه.ولأنه وإن أقرَّ به فلما وصفه بما لا يليق به فقد نقض إقراره. وما روي في الحديث من أن دعوة المظلوم وإن كن كافراً تستجاب فمحمول على كفران النعمة. وجوزه بعضهم لقوله تعالى: حكاية عن إبليس: ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ فقال الله تعالى: ﱡﭐﱩ ﱪ ﱫﱠ وهذه إجابة، وإليه ذهب أبو القاسم الحكيم السمرقندي وأبو النصر الدبوسي، وقال الصدر الشهيد: وبه يفتى.
قال الخيالي:
قوله: (قال: ﱡﭐﱩ ﱪ ﱫ ﱠ) وهذا إجابة، وفيه بحث لجواز أن يكون إخبارا عن كونه من المنظرين في قضاء الله تعالى السابق دعى أو لم يدع وقيل يستجاب دعاء الكافر في أمور الدنيا ولا يستجاب في أمور الآخرة وبه يحصل التوفيق بين الآية والحديث.