وتجوزُ الصَلاةُ خَلفَ كُلّ بَرٍّ وفاجرٍ. ويُصلّى على كلّ بَرٍّ وفاجرٍ.
قال الشارح: (وتجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر) لقوله عليه السلام: “صلوا خلف كل بر وفاجر”، ولأن علماء الأمة كانوا يصلون خلف الفسقة وأهل الأهواء والمبتدع من غير نكير، وما نقل عن بعض السلف من المنع عن الصلاة خلف الفاسق والمبتدع فمحمول على الكراهة إذ لا كلام في كراهة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع، وهذا إذا لم يؤد الفسق أو البدعة إلى حد الكفر، وأما إذا أدى فلا كلام في عدم جواز الصلاة. ثم المعتزلة وإن جعلوا الفاسق غير مؤمن لكنهم يجوزون الصلاة خلفه لما أن شرط الإمام عندهم عدم الكفر لا وجود الإيمان بمعنى التصديق والإقرار والأعمال جميعاً. (ويصلى على كل بر وفاجر) إذا مات على الإيمان، للإجماع، ولقوله عليه السلام: “لا تدعوا الصلاة على من مات من أهل القبلة”.فإن قيل: أمثال هذه المسائل إنما هي من فروع الفقه فلا وجه لإيرادها في أصول الكلام وإن أراد أن اعتقاد حقية ذلك واجب وهذا من الأصول فجميع مسائل الفقه كذلك! قلنا: إنه لما فرغ عن مقاصد علم الكلام من مباحث الذات والصفات والأفعال والمعاد والنبوة والإمامة على قانون أهل الإسلام وطريق أهل السنة والجماعة، حاول التنبيه على نبذ من المسائل التي يتميز بها أهل السنة من غيرهم مما خالف فيه المعتزلة أو الشيعة أو الفلاسفة أو الملاحدة أو غيرهم من أهل البدع والأهواء، سواء كانت تلك المسائل من فروع الفقه أو غيرها من الجزئيات المتعلقة بالعقائد.
قال الخيالي:
قوله: (قلنا إنه لما فرغ من مقاصد…إلخ) اعلم أن مباحث الامامة وإن كانت من الفقه لكن لما شاع بين الناس في باب الامامة اعتقادات فاسدة ومالت فرق أهل البدع والأهواء إلى تعصبات باردة تكاد تفضي إلى رفض كثير من قواعد الإسلام ونقض عقائد المسلمين والقدح في الخلفاء الراشدين ألحقت تلك المباحث بالكلام وأدرجت في تعريفه عونا للقاصرين وصونا للأئمة المهديين عن مطاعن المبتدعين.
قال السيالكوتي:
قوله: (اعلم أن مباحث الإمامة…إلخ) مقصود المحشي دفع ما يقال: إن مباحث الإمامة من المباحث الفقهية؛ لأنها متعلقة بأفعال المكلفين من حيث إن نصب الإمام واجب عليهم أم لا، فكيف عدها الشارح من مقاصد الكلام؟ ووجه الدفع ظاهر.
ويُكفُّ عن ذكرِ الصحابَةِ إلا بخيرٍ.
قال الشارح: (ويكف عن ذكر الصحابة إلا بخير) لما روي في الأحاديث الصحيحة من مناقبهم ووجب الكف عن الطعن فيهم، لقوله عليه السلام: “لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه” ولقوله عليه السلام: “أكرموا أصحابي فإنهم خياركم” الحديث، ولقوله عليه السلام: “الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن أذى الله فيوشك أن يأخذه”.
قال الخيالي:
قوله: (و لا نصيفه) هو مكيال مخصوص فالضمير لأحدهم ويجيء بمعنى النصف للمد.
قوله: (فبحبي أحبهم) أي: فأحبهم بمحبتي بمعنى أن المحبة المتعلقة بهم عين المحبة المتعلقة بي وهكذا قوله فببغضي أبغضهم.
قال السيالكوتي:
قوله: (هو مكيال مخصوص…إلخ) أي النصيف مكيال مخصوص أصغر من المد، فعلى هذا التقدير ضمير نضيفه راجع إلى أحدهم وقد يجيء النصيف بمعنى النصف، فعلى هذا التقدير ضمير نصيفه راجع للمد وهو ظاهر، ومعنى الحديث لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ ثوابه ثواب إنفاق أحد من أصحابي مدلولا نصفه؛ وذلك لأن اتفاقهم كان في الضروة وضيق الحال في نصرة النبي عليه السلام وحمايته مع صدق نيتهم وخلوص طويتهم وذلك مفقود بعد غلبة الإسلام.
قوله: (أي فأحبهم بمحبتي) إشارة إلى أن الجار متعلق بما بعدها دون المعنى المصدري وإلى أن الحب بمعنى المحبة، والباء في بمحبتي صلة وأداء للفعل مكملة إياه وهو واحد معاني الباء على ما قاله في شرح المصباح، وليست للسببية أو الإلصاق على ما قاله الفاضل المحشي لفوات المعنى الذي ذكره المحشي بقوله: إن معنى المحبة المتعلقة الخ.
قال الشارح: ثم في مناقب كل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وغيرهم من أكابر الصحابة أحاديث صحيحة. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات فله محامل وتأويلات، فسبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف عائشة رضي الله عنها، وإلا فبدعة وفسق. وبالجملة لم ينقل عن السلف المجتهدين والعلماء الصالحين جواز اللعن على معاوية وأعوانه، لأنَّ غاية أمرهم البغي والخروج عن طاعة الإمام الحق، وهو لا يوجب اللعن، وإنما اختلفوا في يزيد بن معاوية، حتى ذكر في الخلاصة وغيرها: أنه لا ينبغي اللعن عليه ولا على الحجَّاج، لأن النبي عليه السلام نهى عن لعن المصلين، ومن كان من أهل القبلة، وما نقل من لعن النبي عليه السلام لبعض من أهل القبلة فلما أنه يعلم من أحوال الناس ما لا يعمله غيره. وبعضهم أطلق اللعن عليه لما أن كفر حين أمر بقتل الحسين رضي الله عنه، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه أو رضي به. والحقُّ أن رضى يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانة أهل بيت النبي عليه السلام مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله عليه وأنصاره وأعوانه.
قال الخيالي:
قوله: (فلما أنه…إلخ) هذا إنما يتم في خصوصيات الأشخاص وأما في الطوائف المذكورة بالأوصاف كآكل الربا وشارب الخمر والفروج على السروج فلا بل ترتب اللعن على الوصف يدل على أنه المناط.
قال السيالكوتي:
قوله: (والفروج على السروج) الفروج جمع فرج والمراد ذوي الفرج؛ أعني المرأة، والسروج جمع السرج، وفي الحديث “لعن الله الفروج على السروج”
قوله: (يدل على أنه المناط) فإن ترتب الحكم على الوصف يشعر بالعلية على ما بين في الأصول.
وَنَشهَدُ بالجنةِ للعشَرَةِ الذينَ بَشَّرَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجنةِ. ونرى المَسحَ على الخُفينِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ. ولا نُحَرّمُ نبيذَ التمرِ.
قال الشارح: (ونشهد للعشر المبشرة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام) بالجنة حيث قال عليه السلام: “أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجرح في الجنة” وكذا نشهد بالجنة لفاطمة والحسن والحسين لما روي في الحديث الصحيح أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وسائر الصحابة لا يذكرون إلا بخير ويرجى لهم أكثر مما يرجى لغيرهم من المؤمنين، ولا نشهد بالجنة أو النار لأحد بعينه، بل نشهد بأن المؤمنين من أهل الجنة والكافرين من أهل النار. (ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر) لأنه وإن كان زيادة على الكتاب لكنه ثابت بالخبر المشهور.
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن المسح على الخفين فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدته ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، وروى أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما.
وقال الحسن البصري: أدركت سبعين نفراً من الصحابة رضي الله عنهم يرون المسح على الخفين. ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه دليل مثل ضوء النهار. وقال الكرخي: إن أخاف الكفر على من لا يرى مسح الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر. وبالجملة من لا يرى المسح على الخفين فهو من أهل البدعة، حتى سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن أهل السنة والجماعة فقال: أن تحب الشيخين ولا تطعن في الختنين وتمسح على الخفين. (ولا نحرم نبيذ التمر) وهو أن ينبذ تمر أو زبيب في الماء، فيجعل في إناء من الخزف فيحدث فيه لذع كما للفقاع فكأنه نهى عن ذلك في بدء الإسلام لما كان الجرار أواني الخمور، ثم نسخ فعدم تحريمه من قواعد أهل السنة والجماعة خلافاً للروافض، وهذا بخلاف ما إذا اشتد فصار مسكراً فإن القول بحرمة قليله وكثيره مما ذهب إليه كثير من أهل السنة والجماعة.