والإيمانُ في الشَّرعِ.
قال الشارح: (والإيمان) في اللغة التصديق، أي إذعان حكم المخبر وقبوله وجعله صادقاً، إفعال من الأمن، كان حقيقة “آمن به”: “آمنه من التكذيب والمخالفة” يتعدى باللام كما في قوله تعالى: حكاية: ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ أي مصدق، وبالباء كما في قوله عليه السلام: “الإيمان أن تؤمن بالله..” الحديث أي تصدق. وليس حقيقة التصديق أني قع في القلب نسبة الصدق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان وقبول، بل هو إذعان وقبول لذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم على ما صرح به الإمام الغزالي.
قال الخيالي:
قوله: (ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ) الأولى أن يمثل بقوله تعالى: ﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﱠ لاحتمال أن تكون اللام في لنا لتقوية العمل لا للتعدية.
قوله: (أن يقع في القلب نسبة الصدق) أي: تحصل فيه منسوبية الصدق إلى الخبر وثبوته له من غير إذعان وقبول كما للسوفسطائي بالنسبة إلى وجود العالم فإن له يقينا خاليا عن الإذعان هكذا حققه بعض المتأخرين.
قال السيالكوتي:
قوله: (لاحتمال أن يكون…إلخ) لأن اسم الفاعل ضعيف العمل، فيحتاج إلى التقوية بخلاف الفعل، لكن الاحتمال المرجوح لا يمنع الاستشهاد، وأما ما قيل من أن الإيمان في قوله تعالى: ﱡﭐ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﱠ ظاهر في الإيمان الشرعي والكلام في الإيمان اللغوي، فيدفعه أن الإيمان الشرعي بعينه الإيمان اللغوي، قال في شرح المقاصد: الإيمان أفعال من الأمن للصيرورة أو التعدية باللام بحسب الأصل، كان المصدق صار ذا أمن من أن يكون مكذوبًا أو جعل الغير آمنا من التكذيب والمخالفة، ويتعدى بالباء لاعتبار معنى الإقرار والاعتراف كقوله تعالى: ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﱠ وباللام لاعتبار معنى الاذعان كقوله تعالى: ﱡﭐ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ انتهى كلامه، فعلم أن الإيمان متعد بنفسه، وهو الموافق لما في الصحاح، فمعنى قوله يتعدى باللام ويتعدى بالباء أنه يتعدى باللام باعتبار معنى الاذعان، وبالباء باعتبار معنى الاعتراف، فما قيل: إنه خالف في جعل الإيمان متعديا بالباء للبيضاوي حيث قال: تعلق الباء بالإيمان باعتبار معنى الاعتراف ليس بشيء.
قوله: (أي يحصل فيه منسوبية الصدق…إلخ) يعني أن لفظ النسبة مصدر مبني للمفعول، والمعنى ليس حقيقة التصديق اللغوي أن يحصل في القلب كون الصدق منسوبًا إلى الخبر أو المخبر، ويعقل ثبوت الصدق له في نفس الأمر، فإنه من قبيل المعرفة المقابل للنكارة والجهالة دون التصديق المقابل للتكذيب والانكار المفسر بكر ويدن، وإنما لم يجعله من المصدر المبني للفاعل بمعنى نسيت كردن صدق وايجيزي؛ لأنه مستلزم الاذعان بل هو تعبير عنه، ثم اعلم بعد الاتفاق على أن تلك المعرفة خارجة عن التصديق اللغوي، وأن المعتبر في الإيمان هو التصديق اللغوي اختلفوا في أنها هل هي داخلة في التصور أم في التصديق المنطقي، فمرضى الشارح أنها داخلة في التصور، ويجوز أن تكون الصورة الحاصلة من النسبة التامة الخبرية التصور، وأن التصديق المنطقي بعينه التصديق اللغوي، ولذا فسر رئيسهم في الكتب الفارسية بكر ويدن، وفي العربية بما يخالف التكذيب والإنكار، ويؤيده ما أورده السيد الشريف في حاشية شرح التلخيص: أن المنطقي إنما بين ما هو في العرف واللغة، وعلى هذا قال الشارح في التهذيب العلم إن كان إذعانًا للنسبة فتصديق، وإلا فتصور، وعند بعض المتأخرين وهو صدر الشريعة أن تلك المعرفة داخلة في التصديق المنطقي، فإن الصورة الحاصلة من النسبة التامة الخبرية تصديق قطعًا، فإن كان حاصلًا بالقصد والاختيار بحيث يستلزم الاذعان والقبول فهو تصديق لغوي وإن لم يكن كذلك كمن وقع بصره على شيء فعلم أنه جدار أو فرس، فهو معرفة يقينية وليس بتصديق لغوي، فالتصديق اللغوي عنده أخص من المنطقي، هذا مجمل الكلام، وتفصيله في شرح المقاصد.
قوله: (كما للسوفسطائية) فإن له يقينًا بوجود العالم خاليًا عن الاذعان والقبول، وكما لبعض الكفار الذين يعرفون صدق النبي كما قال الله تعالى: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱠ فقال: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱠ.
قوله: (هكذا حققه بعض المتأخرين…إلخ) يعني كون اليقين الخالي عن الاذعان حاصلًا للسوفسطائي كما حققه بعض المتأخرين وهو صدر الشريعة، وأما الشارح فهو يمنع حصول اليقين بدون الاذعان، ويمنع عدم حصول الاذعان القلبي للسوفسطائي وإنما ينكرون عنادًا.
قال الشارح: وبالجملة هو المعنى الذي يعبر عنه بالفارسية بكرويدن، وهو معنى التصديق المقابل للتصور حيث يقال في أوائل علم الميزان: العلم إما تصور وإما تصديق، صرح بذلك رئيسهم ابن سينا، وإن حصل هذا المعنى لبعض الكفار كان إطلاق اسم الكافر عليه من جهة أن عليه شيئاً من أمارات التكذيب والإنكار، كما إذا فرضنا أن أحداً صدق بجميع ما جاء به النبي عليه السلام وسلمه وأقر به وعمل، ومع ذلك شد الزنار بالاختيار أو سجد للصنم بالاختيار نجعله كافراً؛ لما أن النبي عليه السلام جعل ذلك علامة التكذيب والإنكار. وتحقيق هذا المقام على ما ذكرت يسهل لك الطريق إلى حل كثير من الإشكالات الموردة في مسألة الإيمان.
قال الخيالي:
قوله: (صرح بذلك رئيسهم ابن سينا) إن قلت يلزمه أن يندرج يقين السوفسطائي ونحوه في التصور وأنه باطل بالضرورة أو لا ينحصر التقسيم، قلت له أن يمنع حصول اليقين بدون الإذعان ويمنع عدم الإذعان للسوفسطائي، بقي ههنا بحث وهو أن المعنى المعبر عنه بكرويدن أمر قطعي وقد نص عليه في شرح المقاصد ولذا يكفي في باب الإيمان الذي هو التصديق البالغ حد الجزم والإذعان مع أن التصديق المنطقي يعم الظني بالاتفاق فانهم يقسمو العلم بالمعنى الأعم تقسيما حاصرا توسلا به إلى بيان الحاجة إلى المنطق بجميع أجزائه.
قوله: (كان إطلاق اسم الكافر) وقوله نجعله كافرا إشارة إلى أن الكفر في مثل هذه الصورة في الظاهر وفي حق إجراء الأحكام لا فيما بينه وبين الله تعالى وذكر في شرح المقاصد أن التصديق المقارن لأمارة التكذيب غير معتد به والإيمان هو التصديق الذي لا يقارن شيئا من الأمارات.
قال السيالكوتي:
قوله: (صرح بذلك رئيسهم ابن سينا…إلخ) قال الشارح في رسالته في تحقيق الإيمان: إن ابن سينا أورد في الشفاء في مقابلة هذا التصديق التكذيب، وقال في كتابه المسمى بدانش نامه علائي دانستن ذو كونه است يكي فهم كردن وانذر يافنن وآنرا بتازي تصور خواند ودوم كرويدن وآنرا بتازي تصديق خوانتد.
قوله: (إن قلت يلزمه…إلخ) أي إذا كان التصديق عند ابن سينا هو اللغوي المعبر عنه بكر ويدن يلزمه أحد الأمرين، إما اندراج يقين السوفسطائي أو نحوه كاليقين الحاصل لبعض الكفار في التصور، وإما عدم انحصار العلم إلى التصور والتصديق؛ لخروج يقين السوفسطائي عنهما، وكلا الأمرين باطل بالضرورة.
قوله: (قلت له لن يمنع حصول اليقين…إلخ) يعني أن النقض إنما يتم إذا كانت مادته متحققة، وهو مسلم؛ لأنا لا نسلم حصول اليقين بدون الاذعان ولا نسلم أن للسوفسطائي ونحوه يقينًا بدون الاذعان، فإنه يذعن بوجود العالم إلا أنه ينكره باللسان عنادًا واستكبارًا.
قوله: (بقي ههنا بحث وهو أن المعنى الذي…إلخ) حاصله أنه كيف يكون المعنى الذي يعبر عنه بكر ويدن بعينه معنى التصديق المنطقي والحال أن المعنى المعبر عنه بكر ويدن قطعي والتصديق المنطقي عام شامل للظن والجهل أيضا بالاتفاق لأ المنطقيين يقسمون العلم بالمعنى الأعم أعني الصورة الحاصلة عند العقل إلى التصور والتصديق تقسيما حاصرا توسلا بذلك التقسيم إلى بيان الحاجة إلى المنطق بجميع أجزائه التي منها القياس الجدلي المتألف من المشهورات والمسلمات ومنها القياس الخطابي المتألف من المقبولات والمظنونات ومنها القياس الشعري المتألف من المخيلات فلو لم يكن التصديق المنطقي عاما لم يثبت الاحتياج إلى هذه الأجزاء وذلك ظاهر
قوله: (وقد نص عليه في شرح المقاصد) حيث قال إنما المقصود أن الإيمان تصديق بالأمور المخصوصة بالمعنى اللغوي وهو مايعبر عنه بكر ويدن وراست دانستن وينافيه التوقف والتردد
قوله: (ولذا يكفي في باب الايمان…إلخ) أي ولأجل أن المعنى الذي يعبر عنه بكر ويدن أمر قطعي يكفي ذلك في باب الإيمان الذي هو التصديق البالغ حد الجزم بحيث لايحتمل النقيض أصلا ولايحتاج إلى اعتبار كونه قطعا* قال الفاضل المحشي والحق أنه أمر عام يتناول الظني والقطعي وقوله وقد نص عليه في شرح المقاصد مسلم نعم قد نص على أن الإيمان أمر قطعي لكن الإيمان تصديق خاص قد استير فيه شرائط منها كونه أمرا قطعيا وأما كونه التصديق أمرا يقينيا فلم يذكره الشارح انتهى كلامه وفيه بحث وأما أولا فلأن عبارته في شرح المقاصد على مانقلناه صريح في أن المعنى المعبر عنه بكر ويدن مناف للتردد والتوقف وأما ثانيا فلأن كونه الإيمان تصديقا خاصا قد اعتبر فيه شرائط منها كونه أمرا قطعيا مخالف لما ذكره الشارح في التلويح في باب المحكوم به من أن المراد بالايمان معناه اللغوي وإنما الاختصاص في المؤمن به فمعنى التصديق هو الذي يعبر عنه بالفارسية بكرويدن راست كوي دانستن وهو المراد بالتصديق الذي الذي جعله المنطقيون أحد قسمي العلم على ماصرح به رئيسهم وحيث حصرالاختصاص في المؤمن به وجعل التصديق المعتبر في الإيمان بعينه التصديق المنطقي تأمل فإنه من مزالق الأقدام وأما ما ذكره الفاضل المحشي من أن القول بأن المعتبر في الإيمان هو اليقين محل نظر إذ قد صرح في شرح المواقف أن الظن الغالب الذي لايخطر معه احتمال النقيض حكمه حكم اليقين في كونه ايمانا حقيقيا فإن ايمان أكثر العوام من هذا القبيل فمدفوع بما نقل عنه من كون الإيمان عبارة عن التصديق الجازم الثابت قول جمهور العلماء وكلا منا معهم وقال بعضهم عدم كفاية الظن القوي الذي لايخطر معه احتمال النقيض محل كلام انتهى كلامه.
قوله: (إشارة إلى أن الكفر…إلخ) يعني أن ما ذكر ههنا مخالف لما ذكر في شرح المقاصد فإن كونه كان اطلاق اسم الكافر ونجعله كافرا يشير كل منهما إلى أن الكفر في مثل هذه الصورة أي في الصورة التي يكون التصديق مقرونا بشيء من امارات التكذيب في الظاهر وفي حق اجراء أحكام الدنيا لافيما بينه وبين الله تعالى وذكر في شرح المقاصد أن ذلك التصديق غير معتد به وأنه بمنزلة العدم ويوافقه ماأورده الشارح في رسالته في تحقيق الإيمان وكذلك البغض والعداوة للشارع إذا فرض حصوله مع التصديق يجعل امارة التكذيب فلا يعتد بمثل هذا التصديق ويجعل بمنزلة العدم نتهى ويمكن أن يقال أن المراد بقوله كان اطلاق اسم الكافر الاطلاق الحقيقي وبقوله نجعله كافرا نجعله كافرا بينه وبين الله تعالى ويؤيده مافي شرح المواقف من أن السجود للصنم بالاختيار يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق ونحن نحكم بالظاهر فلذلك حكمنا بعدم ايمانه حتى لو علم أنه لم يسجد له على سبيل التعظيم واعتقاد الألوهية بل يسجد له وقلبه مطمئن بالايمان لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله تعالى وان ـجري عليه حكم الكافر في الظاهر.
هُوَ التصديقُ بما جاءَ النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بهِ مِن عندِ الله تعالى، والإقرارُ بهِ.
قال الشارح: وإذا عرفت حقيقة معنى التصديق فاعلم أن الإيمان في الشرع: (هو التصديق بما جاء به من عند الله تعالى) أي: تصديق النبي عليه السلام بالقلب في جميع ما علم بالضرورة مجيئه به من عند الله تعالى إجمالاً وأنه كاف في الخروج عن عهدة الإيمان، ولا تنحط درجته عن الإيمان التفصيلي، فالمشرك المصدق بوجود الصانع وصفاته لا يكون مؤمناً إلا بحسب اللغة دون الشرع، لإخلاله بالتوحيد، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ. (والإقرار به) أي: باللسان، إلا أن التصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلاً، والإقرار قد يحتمله كما في حالة الإكراه.
قال الخيالي:
قوله: (ركن لا يحتمله السقوط) إن قلت أطفال المؤمنين مؤمنون ولا تصديق فيهم قلت الكلام في الإيمان الحقيقي لا الحكمي.
قال السيالكوتي:
قوله: (قلت الكلام في الإيمان الحخقيقي لاالحكمي) يعني أن ايمان أطفال المؤمنين حكمي لما علم من الدين ضرورة لأن النبي عليه السلام كان يجعل ايمان أحد الأبوين ايمانا للأولاد وقيل هذا مناف لما ذكره الشارح فيما بعد من أن الشارع جعل المحقق الذي ل يطرأ عليه مايضاده في حكم الباقي فإنه تصريح بأن الكلام فيما هو أعم من الإيمان الحقيقي والحكمي انتهى كلامه وأنت خبير بأن المفهوم من كلام الشارح أن الشارع جعل المحقق الغير باقي في حكم الباقي لا أنه جعل غير المحقق في حكم المحقق فالكلام المذكور صريح في أن الكلام في الإيمان المحقق سواء كان باقيا أو في حكم الباقي لافيما هو أعم من الإيمان الحقيقي والحكمي
قال الشارح: فإن قيل: لا يبقى التصديق كما في حالة النوم والغفلة. قلنا: التصديق باق في القلب والذهول إنما هو عن حصوله، ولو سلم فالشارع جعل المحقق الذي لم يطرأ عليه ما يضاده في حكم الباقي، حتى كان المؤمن اسماً لمن آمن في الحال أو في الماضي ولم يطرأ عليه ما هو علامة التكذيب. هذا الذي ذكره من أن الإيمان هو التصديق والإقرار مذهب بعض العلماء وهو اختيار الإمام شمس الأئمة وفخر الإسلام رحمهما الله.
قال الخيالي:
قوله: (التصديق باق في القلب) هذا مناف لما عليه المتكلمون من أن النوم ضد الإدراك فلا يجتمعان.
قوله: (و الذهول) أي: في حال النوم والغفلة (إنماعن حصوله) فتلك الحال حال الذهول لا حال عدم التصديق وأما حال الحضور فليس كذلك بل قد يذهل فيها وقد لا يذهل.
قوله: (حتى كان المؤمن اسما…إلخ) ولذلك يكفي الإقرار مرة في جميع العمر مع أنه جزء من مفهوم الإيمان.
قال السيالكوتي:
قوله: (هذا مناف لما هو عليه المتكلمون من أن النوم…إلخ) فيه بحث لأن ماعليه المتكلمون هو أن النوم ضد لادراك الأشياء ابتداء لا أنه مناف لبقاء الادراكات الحاصلة حالة اليقظة وعلى تقدير التسليم فاتحاد محلهما ممنوع على ماذهب إليه الأستاذ ويدل عليه قوله عليه السلام تنام عيني ولاينام قلبي فتأمل
قوله: (والذهول أي في حالة النوم والغفلة…إلخ) يعني أن أن الذهول الاصل في حالة النوم والغفلة إنما هو عن حصول ذلك التصديق فتلك الحال أي حال النوم والغفلة إنما هو حال الذهول المفسر بعدم ملاحظة الصورة الجاصلة عند العقل لاحال عدم التصديق وعدم ملاحظة حصول التصديق لاينافي أن يكون نفسه حاصلًا.
قوله: (وأما حال الحضور فليس كذلك…إلخ) دفع لما يتوهم من ظاهر قول الشارح والذهول إنما هو معن حصوله من أنه يدل بظاهره على أن لاذهول عن حصول التصديق في غير حالة النوم والغفلة مع أنه ليس كذلك وإنما المنتفي في تلك الحالة الذهول عن نفس التصديق به وحاصل الدفع أن مراد الشارح أن حال النوم والغفلة هو حال الحضور فليس الذهول لازما لها بل قد يذهل عنها كما إذا كان التصديق حاصلا ولم يلاحظه ولم يلتفت إليه فيكون ذاهلا عنه وقد لايذهل عنها بأن يلتفت إلى نفس ذلك التصديق قصدا قال الفاضل المحشي لكن الظاهر أن عدم الالتفات إلى ماحضر في القلب لايسمى ذهولا لالغة ولاعرفا انتهى كلامه وفيه بحث لأنه قد نص الشارح في التلويح أن الذهول عبارة عن عدم الملاحظة للصورة الحاصلة عند العقل بحيث يتمكن من ملاحظتها أي وقت شاء وهذا صريح في أن عدم الالتفات إلى الصورة الحاصلة عند العقل يسمى ذهولًا.
قوله: (ولذلك…إلخ) أي ولأجل أن الشارع جعل المحقق الذي لم يطرأ عليه مايضاده في حكم الباقي يكفي الإقرار مرة في العمر لمن هو قادر ععليه مع أن الإقرار أو جزء مفهوم الإيمان والكل لايتحقق بدون الجزء فإن قلت إذا كان الإقرار مرة في العمر كافيا فما معنى لاحتماله السقوط قلت معنى احتماله السقوط أنه يجوز صدور المنافي له عند الاضطرار بخلاف التصديق فإنه لايحتمله أصلًا.
قال الشارح: وذهب جمهور المحققين إلى أنه التصديق بالقلب، وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، لما أن التصديق بالقلب أمر باطن لا بد له من علامة، فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله وإن لم يكن مؤمناً في أحكام الدنيا، ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فبالعكس، وهذا هو اختيار الشيخ أبي منصور رحمه الله، والنصوص معاضدة لذلك،
قال الخيالي:
قوله: ( إنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام) ولا يخفي أن الإقرار لهذا الغرض لابد وأن يكون على وجه الإعلان على الإمام وغيره من أهل الإسلام بخلاف ما إذا كان ركنا فإنه يكفي مجرد التكلم في العمر مرة وإن لم يظهر على غيره.
قوله: (والنصوص معاضدة…إلخ) لدلالتها على أن محل الإيمان هو القلب فليس الإقرار جزءا منه وأما أنه التصديق لا سائر ما في القلب فبالاتفاق لأن الإيمان في اللغة التصديق ولم يعين في الشرع بمعنى آخر فلا نقل وإلا لكان الخطاب بالايمان خطابا بما لا يفهم ولأنه خلاف الأصل فلا يصار إليه بلا دليل، إن قلت يحتمل أن يراد بالنصوص الإيمان اللغوي قلت لا نزاع أن الإيمان من المنقولات الشرعية بحسب خصوص المتعلق فهو في المعنى اللغوي مجاز وفي كلام الشارع حقيقة والأصل في الاطلاق هو الحقيقة.
قال السيالكوتي:
قوله: (على الإمام) أي إمام محلته وقريته وبلده ليجروا عليه الأحكام من ترك الجزية وحرمة دمه والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشر والزكاة ونحو ذلك بخلاف ما إذا كان ركنا إلى آخر ما ذكر في شرح المقاصد فعلى هذا المذهب من صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار باللسان في عمر ممرة لايكون مؤمنًا عند الله تعالى ولايستحق دخول الجنة ولا النجاة من الخلود في النار بخلاف ما إذا جعل اسمًا للتصديق فقط، فالإقرار حينئذ لإجراء الأحكام عليه فقط انتهى كلامه. والمذهب الأخير موافق لما في الحديث يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.
قوله: (لدلالتها على أن محل الايمان…إلخ) يعني أن ههنا مطلبين الأول أن الإقرار ليس جزء من الإيمان والثاني أنه التصديق لاغير أما الأول فلدلالة النصوص على أن محل الإيمان هو القلب فلا يكون الإقرار الذي هو فعل اللسان داخلا فيه وأما الثاني وهو أنه التصديق لاسائر مافي القلب من المعرفة والقدرة والعفة والشجاعة وغير ذلك من الكيفيات النفسانية فلوجوه الأول اتفاق الفريقين على أنه ليس سوى التصديق والثاني أن الإيمان في اللغة التصديق ولم يعين في الشرع لمعنى آخر كما عين لفظ الزكاة والصلاة والصوم فلا يكون منقولا عن معناه اللغوي إلى سائر مافي القلب وإن كان منقولا باعتبار خصوصية المتعلق إذ لو كان منقولا لكان الخطاب الوارد في الكتاب والسنة بالايمان خطابا بما لاتفهم الأمة وهو مستلزم لعدم امكان الامتثال به من غير استفسار وبيان مع أن من امتثل به امتثل من غير استفسار ولاتوقف إلى بيان وإنما وقع الاحتياج إلى بيان مايجب الإيمان به فبين وفصل بعض التفصيل بحيث قال النبي عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه الحديث فذكر لفظ تؤمن تعويلًا على ظهور معناه عندهم الثالث أن النقل خلاف الأصل فلا يصار إليه بلا دليل وههنا لادليل ولا صارف فيكون باقيا على معناه الأصلي الذي هو التصديق
قوله: (إن قلت يحتمل أن يراد…إلخ) يعني أن دلالة النصوص على أن محل الإيمان الشرعي القلب ممنوع لم لايجوز أن يكون المراد بالايمان الواقع في النصوص معناه اللغوي فيكن المفهوم مها أن محل الإيمان اللغوي القلب لا أن محل الإيمان الشرعي ذلك فيجوز أن يكون الإقرار جزءًا من معناه الشرعي.
قوله: (لانزاع في أن الايمان…إلخ) يعني أن متعلق الإيمان الشرعي خاص؛ وهو ماجاء به النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف الإيمان بالمعنى اللغوي فإن متعلقه مطلق النسبة الخبرية، فبالنظر إلى خصوصية المتعلق به منقول وإن لم يكن بالنظر إلى نفس المعنى منقولًا، بل يدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام بين متعلقه دون معناه فقال: “أن تؤمن بالله وملائكته الحديث …” فلفظ الإيمان بالنسبة إلى معناه اللغوي وهو التصديق مطلقًا يكون مجازًا؛ لأن المعنى المنقول عنه مجازي عند الناقل، وفي كلام الشارع وهو التصديق بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام يكون حقيقة عرفية، والأصل في الإطلاق هو الحقيقة فيكون المراد بالإيمان الواقع في النصوص معناه الشرعي لئلا يكون الكلام على خلاف الأصل.
قال الشارح: قال الله تعالى: ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱠ وقال تعالى: ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ ، وقال عليه السلام: “اللهم ثبت قلبي على دينك وطاعتك” وقال عليه السلام لأسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله: “هلا شققت عن قلبه”.
قال الخيالي:
قوله: (هلا شققت قلبه) يرد عليه أنه يحتمل أن يكون ذكر القلب لكونه محل جزء الإيمان.
قال السيالكوتي:
قوله: (يرد عليه أنه يحتمل…إلخ) يعني أن الاستدلال بهذا الحديث غير تام؛ لأنه يجوز أن يكون ذكر القلب في الحديث لكونه محل جزء الإيمان الذي هو التصديق، فيكون معناه هل شققت قلبه وعلمت انتفاء الجزء الذي هو التصديق القلبي ليلزم انتفاء الإيمان فيجوز قتله ولا يكون دمه محترمًا؟ قيل يدفعه أن قوله والنصوص معاضدة لذلك معناه أن النصوص معاضدة لكون الإيمان مجرد التصديق القلبي، ولكون الإقرار شرطًا لإجراء الأحكام، فالنصوص الثلاثة الأول للأول وهذا الحديث الثاني.
قال الشارح: فإن قلت: نعم الإيمان هو التصديق، لكن أهل اللغة لا يعرفون منه إلا التصديق باللسان، والنبي عليه السلام وأصحابه كانوا يقنعون من المؤمنين بكلمة الشهادة ويحكمون بإيمانه من غير استفسار عما في قلبه. قلت: لا خفاء في أن المعتبر في التصديق عمل القلب، حتى لو فرضنا عدم وضع لفظ التصديق لمعنى أو وضعه لمعنى غير التصديق القلبي لم يحكم أحد من أهل اللغة والعرف بأن المتلفظ بكلمة صدّقت مصدق للنبي عليه السلام ومؤمن به، ولهذا صح نفي الإيمان عن بعض المقرين باللسان، قال الله تعالى: ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ ، وقال تعالى: ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ
قال الخيالي:
قوله: (لا يعرفون منه إلا التصديق باللسان) يعنى معناه الحقيقي عندهم هو فعل اللسان ولا يخفي أنه إنما يتم إذا ضم إليه عدم النقل في الشرع فيرد عليه النصوص المعاضدة.
قوله: (حتي لو فرضنا…إلخ) يرد عليه أنه ليس المعتبر عند الكرامية مجرد اللفظ بل اللفظ الدال بمعنى أنه المعتبر في وضع الشرع واللغة فبطل ما قيل إنه إذا اعتبر الدال لدلالته لا معنى لاعتبارها عند عدم المدلولا إذ لا دخل في الأوضاع، نعم لا اعتبار لها في حق الأحكام عندهم أيضا قالوا من أضمر الإنكار وأظهر الإذعان يكون مؤمنا إلا أنه يستحق الخلود في النار ومن أضمر الإذعان ولم يتفق له الاقرار لم يستحق الجنة.
قال السيالكوتي:
قوله: (ولايخفى أنه إنما يتم…إلخ) يعني أن استدلال الكرامية بأن أهل اللغة لايعرفون منه إلا الإقرار اللساني فيكون معناه الحقيقي هو الإقرار لا أمر آخر، إنما يتم إذا ضم إليه أن الإيمان غير منقول في الشرع عن معناه اللغوي الذي هو التصديق اللساني، ويرد عليه أي على هذه المقدمة أن عدم النقل ممنوع؛ لأن النصوص المعاضدة دالة على أنه أمر قلبي، فيكون منقولًا إلى التصديق القلبي وأنت خبير بأنه لو قرر قول الشارح، فإن قيل: نعم إن الإيمان هو التصديق الخ بأنه أنكم إذا قلتم: إن الإيمان هو التصديقي وتقييم النقل عن المعنى اللغوي وجب عليكم أن تجعلوا الإيمان عبارة عن التصديق باللسان، لأن أهل اللغة لايعرفون منه إلا ذلك فلا يرد ما ذكره المحشي.
قوله: (يرد عليه أنه ليس المعتبر…إلخ) يعني أنه ليس المعتبر عند الكرامية في الإيمان مجرد اللفظ حتى يلزم أن يكون المتلفظ بكلمة صدقت سواء كان مهملًا أو موضوعًا لمعنى سوى التصديق القلبي مصدقًا للنبي عليه الصلاة والسلام في العرف واللغة، بل المعتبر عندهم في الإيمان هو اللفظ الدال على التصديق القلبي من غير أن يجعل التصديق جزء منه على معنى أنه معتبر في الوضع الشرعي واللغوي للفظ الإيمان، ولا شك أن المتلفظ بكلمة صدقت من حيث دلالته على التصديق القلبي مصدق للنبي عليه الصلاة والسلام في العرف واللغة بلا ريبة. وإن لم يحصل له التصديق القلبي.
قوله: (فبطل ما قيل…إلخ) أي إذا قلنا: إن معنى كون اللفظ الدال معتبرًا عند الكرامية أنه معتبر في الوضع الشرعي واللغوي بطل ما قيل على الكرامية: أنه إذا اعتبر في الإيمان اللفظ الدال لدلالته على التصديق القلبي، فلا معنى لاعتبار تلك الدلالة واعتدادها عند عدم المدلول، إذ الغرض من اعتبار الدلالة أن يكون ذلك اللفظ علمًا على وجود المدلول، فإذا لم يكن المدلول متحققًا لا معنى لاعتبارها مع أن الكرامية يعتبرونها ويجعلون المقر الغير المصدق مؤمنًا، وإنما قلنا: بطل ما قيل إذ لا دخل ولا مشاحة في الأوضاع، فإن الواضع لما عين لفظ الإيمان للفظ الدال على التصديق القلبي مطلقًا يجب أن يكون المتلفظ بذلك اللفظ مؤمنًا لغة وشرعًا سواء تحقق مدلول ذلك اللفظ منه أو لا، ويمكن أن يقال: لم عين اللفظ الدال مطلقًا مع أنه لا فائدة في اعتبار الدلالة حين عدم المدلول؟
قوله: (نعم، لاعتبار لها في حق الأحكام…إلخ) تقرير لما سبق من أنه لا معنى لاعتبارها عند عدم المدلول، يعني نعم، إنه لا اعتبار لتلك الدلالة ولا اعتداد بها عند عدم المدلول في حق الأحكام عند الكرامية؛ لأن مقصود الواضع من اعتبار الدلالة هو تحقق المدلول، فإذا لم يكن ذلك متحققًا يكون المتلفظ بذلك اللفظ الدال مع عدم المدلول بمنزلة المتلفظ باللفظ المهمل أو الموضوع لمعنى آخر، فلا تجري عليه الأحكام التي تجري على المتلفظ بذلك اللفظ مع تحقق مدلوله،
قوله: (قالوا…إلخ) تأييد لقوله: نعم، لا اعتبار إلخ أي قال الكرامية: من أضمر الإنكار أظهر الإذعان يكون مؤمنًا لغة وشرعًا؛ لتحقق اللفظ الدال على الذي وضع له لفظ الإيمان بإزائه إلا أنه يستحق ذلك الشخص الخلود في النار لعدم تحقق مدلول ذلك اللفظ الذي هو مقصود من اعتبار دلالته، وأما قوله: ومن أضمر الإذعان إلخ فذكره استطرادي لا دخل له في التأييد المذكور.
وأمَّا الأعمالُ فهي تَتَزايَدُ في نفسِهَا، والإيمانُ لا يزيدُ ولا ينقُصُ.
قال الشارح: وأما المقر باللسان وحده فلا نزاع في أنه يسمى مؤمناً لغة ويجري عليه أحكام الإيمان ظاهراً، وإنما النزاع في كونه مؤمناً فيما بينه وبين الله تعالى، والنبي عليه السلام ومن بعده كما كانوا يحكمون بإيمان من تكلم بكلمة الشهادة كانوا يحكمون بكفر المنافق، فدل على أنه لا يكفي في الإيمان فعل اللسان. وأيضاً الإجماع منعقد على إيمان من صدق بقلبه وقصد الإقرار باللسان ومنعه مانع من خرس ونحوه، فظهر أن ليس حقيقة الإيمان مجرد كلمتي الشهادة على ما زعمت الكرامية. ولما كان مذهب جمهور المتكلمين والمحدثين والفقهاء على أن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان كما أشار إلى نفي ذلك بقوله: (فأما الأعمال) أي: الطاعات (فهي تتزايد في نفسها والإيمان لا يزيد ولا ينقص).
قال الخيالي:
قوله: (ويسمى مؤمنا لغة) أي: يطلق عليه لفظ المؤمن عند أهل اللسان واللغة لقيام دليل الإيمان فإن أمارة الأمور الخفية كافية في صحة إطلاق اللفظ على سبيل الحقيقة كالغضبان والفرحان ونحوهما وفي المواقف الإقرار يسمى إيمانا لغة ويفهم منه بمعونة سياق كلامه أنه حقيقة في الإقرار أيضا لكنه يخالفه ظاهر كلام القوم اللهم إلا أن يدعي وضع آخر.
قوله: (لا يكفي في الإيمان فعل اللسان) لا يقال لعلهم يجعلون مواطأة القلب شرطا لأنا نقول هذا مذهب الرقاشي والقطان لا الكرامية ولهذا ذكروا عدم الاستفسار عما في القلب.
قوله: (و أيضا الإجماع منعقد…إلخ) رد آخر على الكرامية لا على المصنف وموافقيه كما توهم.
قال السيالكوتي:
قوله: (يسمي أي يطلق لفظ المؤمن…إلخ) أي ليس المراد بقوله يسمي مؤمنًا لغة أنه يطلق عليه لفظ المؤمن لغة لتحقق مدلوله اللغوي كما يفهم من ظاهر العبارة، وإلا لزم أن يكون مدلوله لغة مجرد الإقرار، بل المراد أنه يطلق عليه لفظ المؤمن لغة لقيام دليل الإيمان الذي هو التصديق القلبي، كما يطلق الغضبان والفرحان على سبيل الحقيقة لقيام الدلائل الدالة عليهما أعني الآثار اللازمة للغضب والفرح.
قوله: (وفي المواقف أن الإقرار…إلخ) قال في المواقف: لا نزاع في أنه أي التصديق اللساني يسمى إيمانًا لغة، ولا نزاع في أنه يترتب عليه أحكام الإيمان ظاهرًا، وإنما النزاع فيما بينه وبين الله تعالى، ويفهم بمعونة كلامه السابق على هذا أعني قوله: فالتصديق إما معنى هذه اللفظة أو هذه اللفظة لدلالتها على معناها أنه حقيقة في الإقرار.
قوله: (لا يقال لعلهم يجعلون…إلخ) هذا الاعتراض بعد ما صرح في الحاشية السابقة بأن المعتبر عندهم اللفظ الدال سواء تحقق مدلوله أو لا غير وارد كما لا يخفى، اللهم إلا أن يقال: أن لا يلاحظ ذلك.
قوله: (هذا مذهب الرقاش…إلخ) فعند الرقاش يشترط مع الإقرار المعرفة القلبية حتى لا يكون الإقرار بدونها إيمانًا، وعند القطان يشترط معه التصديق المكتسب بالاختيار.
قوله: (رد آخر على الكرامية…إلخ) يعني ما ذ كره الكرامية من أن الإيمان هو التصديق اللساني مخالف لما انعقد عليه الإجماع؛ وهو الحكم بإيمان من صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار المانع،
قوله: (لا على المصنف…إلخ) أي ليس ردًا على المصنف ومتابعيه على ما توهم من أنه رد على المصنف حيث جعل الإقرار جزءًا من الإيمان، فإنه مخالف للإجماع المنعقد على إيمان المصدق الذي لم يتفق له الإقرار، وإنما قلنا إنه ليس ردًا عليه لأن المصنف لم يجعل الإقرار ركنًا لازمًا لا يحتمل السقوط أصلًا حتى يكون مخالفًا للإجماع على أن قول الشارح أيضًا صريح في أنه رد آخر على الكرامية.
قال الشارح: فها هنا مقامان: الأول أن الأعمال غير داخلة في الإيمان لما مر من أن حقيقة الإيمان هو التصديق، ولأنه قد ورد في الكتاب والسنة عطف الأعمال على الإيمان، كقوله تعالى: ﱡﭐ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه. وورد أيضاً جعل الإيمان شرط صحة الأعمال، كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لامتناع اشتراط الشيء بنفسه.
قال الخيالي:
قوله: (مع القطع بأن العطف يقتضى المغايرة) وأما عطف الجزء على الكل كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱠ فبتأويل جعله خارجا لاعتبار خطابي وكفي بالظاهر حجة.
قوله: (لامتناع اشتراط الشيء بنفسه) لأن جزء الشرط شرط أيضا.
قال السيالكوتي:
قوله: (كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱠ …إلخ) فإنه عطف الروح على الملائكة مع أنه داخل فيهم تعظيمًا لشأنه، كأنه ليس داخلًا في جنس الملائكة هذا على تقدير أن يكون المراد بالروح جبرائيل عليه السلام، وأما إذا كان المراد خلقًا آخر أعظم من خلق الملائكة على ما قال القاضي في تفسير قوله تعالى: ﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱠ فليس مما نحن فيه.
قوله: (لأن جزء الشرط…إلخ) تعليل للزوم اشتراط الشيء بنفسه، يعني لما كان العمل الصالح مشروطًا بالإيمان الذي هو عبارة عن مجوع التصديق والعمل يلزم أن يكون مشروطًا بنفسه؛ لأن جزء الشرط شرطًا أيضًا.
قال الشارح: وورد أيضاً إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال، كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﱠ على ما مر، مع القطع بأنه لا يتحقق الشيء بدون ركنه. ولا يخفى أن هذه الوجوه إنما تقوم حجة على من يجعل الطاعات ركناً من حقيقة الإيمان، بحيث أن تاركها لا يكون مؤمناً كما هو رأي المعتزلة، لا على مذهب من ذهب على أنها ركن من الإيمان الكامل بحيث لا يخرج تاركها عن حقيقة الإيمان كما هو مذهب الشافعي.وقد سبق تمسكات المعتزلة بأجوبتها فيما سبق. المقام الثاني: أن حقيقة الإيمان لا تزيد ولا تنقص، لما مر من أنه التصديق القلبي الذي بلغ حد الجزم والإذعان، وهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، حتى إن من حصل له حقيقة التصديق فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه باق على حاله لا تغير فيه أصلاً. والآيات الدالة على زيادة الإيمان محمولة على ما ذكره أبو حنيفة رحمه الله من أنهم كانوا آمنوا في الملة ثم يأتي فرض بعض فرض فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص.وحاصله أنه كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به، وهذا لا يتصور في غير عصر النبي عليه السلام.
قال الخيالي:
قوله: (وهذا) أي: كونه زائدا بزيادة ما يجب الإيمان به لا يتصور في غير عصره عليه السلام كذا في بعض شروح العمدة وشرح نظم الأوحدي.
قال السيالكوتي:
قوله: (لا يتصور في غير عصر النبي عليه السلام) لاختتام الوحي وإتمام الفرائض وما يجب الإيمان به، فلا يتصور زيادة الإيمان،
قال الشارح: وفيه نظر، لأن الاطلاع على تفاصيل الفرائض ممكن في غير عصر النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان واجب إجمالاً فيم علم إجمالاً وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد بل أكمل، وما ذكر من أن الإجمال لا ينحط عن درجته فإنما هو في الاتصاف بأصل الإيمان.
وقيل: إن الثبات والدوام على الإيمان زيادة عليه في كل ساعة، وحاصله أنه يزيد بزيادة الأزمان، لما أنه عرض لا يبقى إلا بتجدد الأمثال، وفيه نظر، لأن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون من الزيادة في شيء كما هو في سواد الجسم مثلاً.
قال الخيالي:
قوله: (ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد) لتكثره بحسب تكثر متعلقاته من حيث إنها يجب الإيمان بها وإن لم يتكثر من حيث ذواتها فتأمل.
قوله: (و حاصله أنه يزيد إلخ ) كذا نقل عن إمام الحرمين وغيره وقد يتوهم أن حاصله هو أن الدوام على العبادة عبادة أخرى فلذا يثاب عليه في كل حين وليس بشيء لأن كون الدوام عبادة غير كونه إيمانا فإن الدوام على التصديق غير التصديق بالضرورة.
قوله: (و فيه نظر لأن حصول المثل…إلخ) قد يدفع بأن المراد زيادة أعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك.
قال السيالكوتي:
قوله: (لتكثره بحسب كثرة متعلقاته…إلخ) فإن متعلقاته أمور متعددة من حيث وجوب الإيمان بها، فإن المؤمن بالايمان الإجمالي إذا علم فرضية الصلاة يجب عليه التصديق بها، ثم إذا علم فرضية الصوم يجب عليه الإيمان بها أيضًا وهكذا، فمتعلقات الإيمان التفصيلي متزايد بحسب تعلق العلم بها، فتزايد التصديقات المتعلقة بتلك المتعلقات أيضًا فيزيد الإيمان بخلاف الإيمان الإجمالي. فإنه تصديق واحد متعلقه أمر واحد؛ وهو ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: (وإن لم يتكثر بحسب ذواتها) لأنها بعد اختتام الوحي أمور معدودة لا زيادة ولا نقصان في ذواتها.
قوله: (فليتأمل) وجه التأمل أن التكثر بهذا الاعتبار انتقال من الإجمالي إلى التفصيلي وهو لا يفيد الزيادة، إنما يفيد كمال الإجمال ألا يرى أن من علم شيئًا إجمالًا ثم فصل ذلك الإجمال لا يقال: إنه علم زائد على الأول، بل إنما يقال: إنه كامل بخلاف ما إذا كانت المعلقات متكثرة بذواتها كما في عصر النبي عليه السلام، فإنه كلما زادت تلك الجملة ازداد التصديق المتعلق بها لا محالة كما لا يخفى.
قوله: (وقد يتوهم أن حاصله…إلخ) أي وقد يتوهم أن حاصل ما قيل: إن الثبات والدوام على الإيمان زيادة عليه هو أن الدوام على العبادة عبادة أخرى زائدة على نفس تلك العبادة، فالدوام على الإيمان أمر زائد على الإيمان وهذا ليس بشيء؛ لأن النزاع في أن نفس الإيمان هل يزيد أم لا وكون الدوام عبادة غير كونه إيمانًا، فإن الدوام على التصديق غير نفس التصديق وهو ظاهر.
قوله: (وقد يدفع بأن المراد) أي قد يدفع النظر المذكور بأن المراد بزيادته بزيادة الأزمان أنه يزيد أعداده المتجددة التي حصلت بتجدد الأزمان، ولا شك أن عدم البقاء لا ينافي لا الزيادة بهذا المعنى؛ أعني الزيادة بحسب العدد يرد عليه أن النزاع في أن حقيقة الإيمان هل يقبل الزيادة والنقصان أم لا؟ كونه زائدًا بحسب الإعداد لا مدخل له في زيادة ذاته وحقيقته، وهو ظاهر.
قال الشارح: وقيل: المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره وضيائه في القلب، فإنه يزيد بالأعمال وينقص بالمعاصي.ومن ذهب إلى أن الأعمال منالإيمان فقبوله الزيادة والنقصان ظاهر، ولهذا قيل: إن هذه المسألة فرع مسالة كون الطاعات من الإيمان، وقال بعض المحققين: لا نسلم أن حقيقة التصديق لا يقبل الزيادة والنقصان، بل تتفاوت قوة وضعفاً، للقطع بأن تصديق آحاد الأمة ليس كتصديق النبي عليه السلام، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒﱠ. بقي هاهنا بحث آخر، وهو أن بعض القدرية ذهب إلى أن الإيمان هو المعرفة، وأطبق علماؤنا على فساده، لأن أهل الكتاب كانوا يعرفون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم مع القطع بكفرهم لعدم التصديق، ولأن من الكفار من كان يفرق الحق يقيناً وإنما كان ينكر عناداً واستكباراً، قال الله تعالى: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱠ فلا بد من بيان الفرق بين معرفة الأحكام واستيقانها وبين التصديق بها واعتقادها ليصح كون الثاني إيماناً دون الأول.
قال الخيالي:
قوله: (و من ذهب إلى أن الأعمال من الإيمان) فرضا كان أو نقلا كما هو مذهب الخوارج والعلاف وعبد الجبار الهمداني أوفرضا فقط كما هو مذهب الجبائي وأكثر معتزلة بصرة، فإن قلت انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل فكيف يتصور الزيادة والنقضان، قلت النوافل مما يقع جزأ من الإيمان لا مما يشرع جزأ وكذا بعض الفرائض قد يقع فرضا فيقع جزأ من غير أن يشرع كذلك كزيادة القراءة والقيام بحسبها في الصلاة، وأيضا قد ينتقض بعض أنواع الفرائض بانتفاء وجوبه كالزكاة عن الفقراء أو بعض أفرادها بحسب قصر العمر كالصلاة والزكاة بل يمكن أن لا يجب الكل كمن آمن ومات قبل أن يجب عليه شيء وبه يعلم أن الإيمان عند المعتزلة طاعة لا تخرج عنها طاعة أو واجب كذلك فتدبر.
قال السيالكوتي:
قوله: (كما هو مذهب الخوارج…إلخ) هذا صريح في أن الأعمال مطلقًا جزء من الإيمان عند الخوارج والعلاف وعبد الجبار، والأعمال المفروضة جزء منه عند الجبائي وهو موافق لما في شرح المقاصد حيث قال: وأما على الرابع وهو أن يكون الإيمان اسما لفعل القلب والجوارح على ما يقال: إنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، فقد يجعل تارك العمل خارجًا عن الإيمان داخلًا في الكفر وإليه ذهب الخوارج، أو غير داخل فيه وهو منزلة بين المنزلتين وإليه ذهب المعتزلة إلا أنهم اختلفوا، فعند أبي علي وأبي هاشم فعل الواجبات وترك المحظورات، وعند أبي الهذيل وعبد الجبار وتبعهما الخوارج فعل الطاعات واجبة كانت أو مندوبة، انتهى كلامه لكنه مخالف لما في شرح المواقف حيث قال: وقال قوم: إنه عمل الجوارح، فذهب الخوارج والعلاف وعبدالجبار إلى أنه الطاعة بأسرها، وذهب الجبائي وابنه وأكثر البصرية إلى أنه الطاعات المفروضة، فإنه يدل على أن الإيمان عندهم هو الأعمال فقط والله أعلم بحقيقة الحال،
قوله: (مذهب الجبائين) هما أبو علي وابنه أبو هاشم، فهو من باب التغليب كالعمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قوله: (فان قلت انتفاء…إلخ) يعني أنه إذا كان الأعمال جزء من حقيقة الإيمان فيكون قبوله الزيادة أمرًا ظاهرًا محل بحث؛ لأن انتفاء الجزء يستلزم انتفاء الكل، فلا مزيه على كل أجزاء الماهية فيكون زياد ة ولا تحقق لها بدونه ليكون نقصانًا.
قوله: (قلت النوافل مما تقع…إلخ) حاصل الجواب أن الأعمال ليست مما جعله الشارع جزءًا من الإيمان حتى ينتفي بانتفائها، بل هي تقع جزء منه إن وجدت، فما لم توجد الأعمال فالإيمان هو التصديق والإقرار، وإذا وجدت كانت داخلة في الإيمان فيزيد الإيمان على ما كان قبل الأعمال.
قوله: (إنه طاعة لا يخرج عنها) أي أنه طاعة شاملة لكل الطاعات التي أتى بها المكلف من النوافل والفرائض، وهذا مذهب العلاف وعبدالجبار.
قوله: (أو واجب كذلك…إلخ) أي واجب شامل لجميع الواجبات من الأفعال والتروك، وهذا مذهب الجبائيين.
قال الشارح: والمذكور في كلام بعض المشايخ أن التصديق عبارة عن ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق ولذا يثاب عليه ويجعل رأس العبادات، بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر، وهذا ما ذكره بعض المحققين من أن التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقاً وإن كان معرفة.وهذا مشكل، لأن التصديق من أقسام العلم، وهو من الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية، لأنا إذا تصورنا النسبة بين الشيئين وشككنا في أنها بالإثبات أو النفي ثم أقيم البرهان على ثبوتها فالذي يحصل لنا هو الإذعان والقبول لتلك النسبة، وهو معنى التصديق والحكم والإثبات والإيقاع، نعم تحصيل تلك الكيفية يكون بالاختيار في مباشرة الأسباب وصرف النظر ورفع الموانع ونحو ذلك، وبهذا الاعتبار يقع التكليف بالإيمان، وكأن هذا هو المراد بكونه كسبياً اختيارياً.ولا تكفي المعرفة في حصول التصديق لأنها قد تكون بدون ذلك، نعم يلزم أن تكون المعرفة اليقينية المكتسبة بالاختيار تصديقاً، ولا بأس بذلك لأنه حينئذ يحصل المعنى الذي يعبر عنه بالفارسية بكرويدن، وليس الإيمان والتصديق سوى ذلك، وحصوله للكفار والمعاندين المستكبرين محال، وعلى تقدير الحصول فتكفيرهم يكون بإنكارهم باللسان وإصرارهم على العناد والاستكبار، وما هو من علامات التكذيب والإنكار.
قال الخيالي:
قوله: (و بهذا الاعتبار) أي: باعتبار التحصيل فإن التكليف بالشيء بحسب نفسه غير التكليف به بحسب تحصيله والأول لا يتصور إلا في
مقولة الفعل وأما جعل التكليف بالإيمان تكليفا بالنظر الموجب له فهو عدول عن ظاهر قولهم معرفة الله واجبة إجمالا، وقوله تعالى: ﱡﭐﱘ ﱙ ﱠ والحق أن النظري مقدور للبشر ولو بالواسطة وبحسب التحصيل ولذا قد يعتقد نقيضه عند الغفلة عن النظر الذي هو واسطة التحصيل هذا خلاصة ما في شرح المواقف.
قوله: (لا يكفي المعرفة) فمن شهادة المعجزة فوقع في قلبه صدق النبي عليه السلام بغتة يكون مكلفا بتحصيل ذلك اختيارا فحينئذ حاصل كلام بعض المتأخرين أن التصديق هو العلم اليقيني الذي يحصل بمباشرة أسبابه والمعرفة أعم فتكون المعرفة اليقينية الاختيارية تصديقا عنده، فإن قلت يلزم أن تكون المعرفة اليقينية الغير الاختيارية تصورا عنده، قلت التصديق الإيماني عنده نوع من التصديق الميزاني وهو المقابل للتصور فلا إشكال هذا هو توجيه كلام بعض المتأخرين وليس بمختار عند الشارح وتفصيل الكلام مما لا يحتمله المقام.
قال السيالكوتي:
قوله: (فان التكليف بالشيء…إلخ) أي فإن التكليف بالشيء بحسب نفسه يقتضي أن يكون نفس ذلك الفعل مما تتعلق به القدرة الحادثة كالضرب بالمعنى المصدري بخلاف التكليف بالشيء بحسب التحصيل فإنه يقتضي أن يكون تحصيله مما يتعلق يه القدرة، وذلك بأن يكون الأسباب المفضية إليه مقدورة له سواء كان نفسه أو لا، وقد يكون الشيء باعتبار ذاته غير مقدور به، وباعتبار تحصيله مقدورًا كالتسخن والتبرد والقيام، قال الشارح في رسالته في تحقيق الإيمان اعلم أن ليس المراد بكون المأمور به اختياريًا ومقدورًا أن يكون هو في نفسه من مقولة الفعل على ما سبق إلى بعض الأوهام، بل أن يتمكن المكلف من تحصيله ويتعلق به قدرته سواء كان هو في نفسه من الأوضاع والهيئات كالقيام القعود، أو من الكيفيات كالعلم والنظر، أو الانفعالات كالتسخن والتبرد، أو غير ذلك، وإذا نظرت لكثير من الواجبات وجدته بهذه المثالية، فإن الصلاة اسم للهيئة المخصوصة التي يكون القيام والقعود والألفاظ والحروف من أجزائها ولا يتمكن العبد من كسبها وأجزائها، ومع هذا لا يكون الواجب المقدور والمثاب عليه في الشرع إلا نفس تلك الهيئة، وإذا تأملت فرأس الطاعات وأساس العبادات؛ أعني الإيمان بالله من هذا القبيل فإنه مفسر بالتصديق المعبر عنه بالفارسية بكرويدن زياوردانستن وراست كوى دانستن المقابل للتكذيب، ولاخفاء في أن هذا المعنى من مقولة الكيف دون الفعل، ومعنى كون الإيمان من الأفعال الاختيارية أنه يحصل باختيار العبد وكسبه كالعلم والقيام والتسخن على ما عرفت.
قوله: (وأما جعل التكليف بالإيمان…إلخ) والجواب عن الإشكال الذي أورده الشارح من أن المأمور به لا بد وأن يكون اختياريًا، والتصديق من الكيفيات على ما ذكره الآمدي من أن التكليف بالإيمان تكليف بالنظر الموجب له؛ لأنه سبب مستلزم له بحيث يمتنع تخلقه عنه، فالخطاب الشرعي وإن تعلق في الظاهر بالمسبب إلا أنه يجب صرفه بالتأويل إلى السبب لأن القدرة بالمسبب لايتعلق إلا بهذه الحيثية، وهذا كمن يؤمر بالقتل الذي هو إزهاق الروح وهو غير مقدور له، فإن أمر له بمقدوره الذي هو ضرب السيف قطعًا فهو عدول عن ظاهر فهو عدول قولهم معرفة الله واجبة إجماعًا وقوله تعالى: ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱠ
قوله: (والحق أن النظري…إلخ) تأييد لجواب الشارح بما ذكره الإمام الرازي، أي الحق أن العلم النظري وهو ما يحصل بعد ترتيب المقدمات كالإيمان مقدور بحسب التحصيل وإن لم يكن نفسه مقدورًا، ولذلك قد يعتقد نقيض ذلك العلم عند الغفلة عن النظر؛ لأن موجبه النظر، فإذا غفل عن النظر أمكنه أن يعتقد ما يناقض ذلك النظر، فيكون النظري مقدورًا للبشر فلا يقبح التكليف به بخلاف الضروري فإنه لا يمكن أن يعتقد نقيضه إذ الموجب للحكم فيه تصور طرفيه، فإذا أوجب تصورهما حكمًا إيجابيًا لم يمكنه بعد تصورهما أن يعتقد السلب بينهما،
قوله: (فحينئذ) أي حين إذ كان المراد بكونه مقدورًا أنه مقدور بحسب تحصيله يكون حاصل كلام بعض المتأخرين وهو قوله: أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر أو الخبر أن التصديق هو العلم اليقيني الذي يحصل بعد مباشرة الأسباب والمعرفة اليقينية أعم من أن يكون حاصلًا بالاختيار أولًا، فالتصديق عنده نوع من المعرفة اليقينية؛ لأنه المعرفة اليقينية الاختيارية.
قوله: (يلزم أن يكون المعرفة…إلخ) إذ لا واسطة بين التصور والتصديق، فإذا لم تكن داخلة في التصديق تكون داخلة في التصور.
قوله: (قلت التصديق الإيماني…إلخ) يعني أن ما ذكره بعض المتأخرين من قوله: إن التصديق أن تنسب باختيارك الخ تفسير للتصديق المعتبر في الإيمان، وهو عنده نوع من التصديق المنطقي المقابل للتصور الشامل للمعرفة اليقينية الغير الاختيارية والاختبارية فلا إشكال.
قوله: (وليس بمختار عند الشارح) فإن المختار عنده أن التصديق الإيماني واللغوي والمنطقي واحد وهو المعنى الذي يعبر عنه بالفارسية بكرويدن، لا فرق إلا باعتبار المتعلق، وإن حصول اليقين بدون الإذعان الذي هو أمر اختياري ممنوع، والعلم إن كان إذعانًا للنسبة فتصديق وإلا فتصور، هذا مجمل كلامه وتفصيله في شرح المقاصد.
والإيمانُ والإسلامُ واحِدٌ.
قال الشارح: (والإيمان والإسلام واحد) لأن الإسلام هو الخضوع والانقياد بمعنى قبول الأحكام والإذعان، وذلك حقيقة التصديق على ما مر.ويؤيده قوله تعالى: ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ. وبالجملة لا يصح في الشرع الحكم على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن.ولا نعني بوحدتهما سوى هذا.
قال الخيالي:
قوله: (بمعنى قبول الأحكام) يعني أن الإسلام هو الخضوع والإنقياد للأحكام وهو معنى التصديق بجميع ما جاء به النبي عليه السلام فيرادف الإيمان والترادف يستلزم الاتحاد المطلوب فتأمل.
قوله: (و يؤيده) أي: الاتحاد قوله تعالى: ﱡﭐ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ أي لم نجد في قرية لوط أحد من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين وإنما قلنا كذلك لكثرة البيوت والكفار فيها وليلائم كلمة من اعتراض عليه بأن الاستثناء لا يتوقف على الاتحاد كقولك أخرجت العلماء فلم أترك إلا بعض النحاة وقد يستدل بقوله تعالى: ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ والإيمان يقبل من طالبيه ويرد عليه أنه ليس المراد غير الإسلام في المفهوم وهو ظاهر فيحتمل أن يكون الإسلام أعم فإذا قلت من يبتغ غير العلم الشرعي فقد سهى لست تحكم بسهو من يبتغي علم الكلام.
قوله: (وبالجملة…إلخ) تصوير للمدعي يعني أن المراد بالوحدة عدم صحة سلب أحدهما عن الآخر وهو أعم من الترادف والتساوي ويثبت بكل منهما.
قال السيالكوتي:
قوله: (يستلزم الاتحاد المطلوب) وهو الاتحاد بحسب الصدق؛ أعني كل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن.
قوله: (فتأمل) وجه التأمل أن الإسلام هو الخضوع والانقياد مطلقًا سواء كان بالجوارح أو بالقلب بخلاف التصديق، فإنه الانقياد القلبي فلا يكون مرادفًا له بل أعم فلا يستلزم الاتحاد المطلوب، قال الإمام الغزالي في الأحياء: الإسلام عبارة عن التسليم والاستسلام بالإذعان والانقياد، وترك التمرد والإباء والعناد، وللتصديق محل خاص وهو القلب، واللسان ترجمانه، وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح، فإن كل تصديق بالقلب هو تسليم، وترك الإباء والجحود، وكذلك الاعتراف باللسان، وكذلك الطاعة والانقياد بالجوارح.
قوله: (أي لم نجد في قرية لوط…إلخ) يعني أن كلمة غير ليست صفة بل هي للاستثناء، والمستثنى منه أحد من المؤمنين، والمراد بالبيت أهل البيت، فيصير المعنى لم نجد في قرية لوط أحدًا من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين، فقد استثنى من المؤمنين فوجب أن يتحد الإيمان والإسلام.
قوله: (وإنما قلنا…إلخ) أي إنما قلنا: إن التقدير كذلك لئلا يلزم الكذب وليلائم كلمة من البيانية، إذ لو كان كلمة غير صفة وكان التقدير فما وجدنا بيتًا غير بيت من المسلمين مثلًا، أو كان المستثنى منه عامًا فكان التقدير فما وجدنا أحدًا إلا أهل بيت من المسلمين مثلًا يلزم الكذب لكثرة البيوت في تلك القرية وكثرة الكفار، ولو كان المراد بالبيت نفسه ويكون التقدير فما وجدنا بيتًا من المؤمنين إلا بيتًا من المسلمين مثلًا لا يكون ملائمًا لكلمة من، فإن الظاهر أنها بيانية فبدل على أن المبين من جنس المبين والبيت ليس من جنس المسلمين، فقوله لكثرة البيوت والكفار تعليل لحمل كلمة غير على الاستثناء وجعل المستثنى منه خاصًا، وقوله: وليلائم تعليل لكون المراد بالبيت أهل البيت، والمجموع تعليل لقوله: وإنما قلنا كذلك وإن كان تكرار لام التعليل مشعرًا بكون كل منهما وجهًا مستقلًا؛ لأن قوله لكثرة البيوت والكفار لا يدل على أن المراد بالبيت أهل البيت، وقوله: ليلائم لا يدل على كون كلمة غير للاستثناء، وكون المستثنى منه خاصًا فلا يكون كل منهما وجهًا مستقلًا في إثبات التقدير المذكور، وإنما قال: ليلائم لجواز أن تكون كلمة من صلة لمقدور مثل إلا بيتًا كائنًا من المسلمين أو زائدة كما هو مذهب الأخفش والكوفيين فإنهم يجوزون زيادة من في الإثبات نحو قوله تعالى: ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ أي أبصارهم، هذا وقد قال الفاضل الجلبي: إن كلمة من في الآية للتبعيض وهو وهم؛ لأنه قد اشترط فيها أن لا يصح إطلاق مدخولها على ما قبلها إلا أنه لا يصح إطلاق الكل على الجزء، ولذا قال في اللباب: وعندي عشرون من الدراهم، إن كان المراد من دراهم معينة أكثر من عشرين فمن تبعيضه؛ لأن العشرين بعضها وإن كان المراد منها جنس الدراهم فهي مبنية لصحة إطلاق المجرور على العشرين وغيره، وههنا كذلك لأنه يصح إطلاق المسلمين على أهل البيت وغيره، واعلم أنه يمكن الاستدلال بهذه الآية على الاتحاد بحيث لا يحتاج فيه إلى هذه المؤنات، ولا يرد عليه الاعتراض الآتي بأن يقال: إن الظاهر أن قوله من المسلمين صلة لقوله فما وجدنا الخ رعاية لفواصل الآي، فأصل الآية فما وجنا من المسلمين غير بيت، فلو كان المسلم أعم وأخص لما صح؛ لأن الحكم إنما هو بإخراج المؤمنين على ما يدل عليه قوله تعالى: ﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ فلا معنى لنفي وجدان سوى بيت واحد من الأعم والأخص؛ أعني المسلمين لأنه لا يدل على أن الحكم بإخراج المؤمنين، فلا بد أن يكونا متساويين في الصدق ليكون الحكم بالإخراج وعدمه وجدان سوى بيت واحد على جنس واحد.
قوله: (واعترض عليه بأن الاستثناء…إلخ) يعني أن هذه الآية على تقدير حمله على الاستثناء أيضًا لا يفيد؛ لأن المطلوب الاتحاد، وصحة الاستثناء لا يتوقف على الاتحاد لجواز الاستثناء الأخص من الأعم كما في قولنا: أخرجت العلماء فلم أترك إلا بعض النحاة، فإنه صحيح مع أن النحاة أخص من العلماء.
قوله: (وقد يستدل بعلمه…إلخ) أي قد يستدل على اتحادهما بقوله تعالى: ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱠ فلو كان الإيمان غير الإسلام لزم أن لا يكون مقبولًا مع أن الإجماع منعقد على أن الإيمان مقبول من طالبيه.
قوله: (ويرد عليه…إلخ) يعني أنه ليس المراد بغير الإسلام ما هو مغاير له بحسب المفهوم، وإلا لزم أن يكون الصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك غير مقبولة لكونها مغايرة لمفهومه وهو ظاهر، بل المراد المغاير له بحسب الصدق، فالمعنى ومن يبتغ ما لا يصدق عليه الإسلام فلن يقبل منه، فحينئذ يحتمل أن يكون الإسلام أعم من الإيمان، ويكون الإيمان حقيقة ما يصدق عليه الإسلام لكونه أخص منه، فلا يثبت الاتحاد هذا كما إذا قلت ومن يبتغ غير العلم الشرعي فقد سهى، فإنك لا تحكم بسهو من يطلب الكلام ويسعاه؛ لأن مرادك من أن يبتغي ما لا يصدق عليه العلم الشرعي فهو ساه والكلام من العلم الشرعي، وبالجملة ذم غير الأعم لا يستلزم ذم الأخص، فإنك إذا قلت غير الحيوان مذموم لا يستلزم أن يكون الإنسان مذمومًا.
قال الشارح: وظاهر كلام المشايخ أنهم أرادوا عدم تغايرهما بمعنى أنه لا ينفك أحدهما عن الآخر لا الاتحاد بحسب المفهوم لما ذكر في الكفاية من أن الإيمان هو تصديق الله تعالى فيما أخبر به من أوامره ونواهيه، والإسلام هو الانقياد والخضوع للألوهية، وذا لا يتحقق إلا بقبول الأمر والنهي، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكماً فلا يتغايران، ومن أثبت التغاير يقال له: ما حكم من آمن ولم يسلم أو أسلم ولم يؤمن؟
فإن أثبت لأحدهما حكماً ليس بثابت للآخر منهما فبها ونعم، وإلا فقد ظهر بطلان قوله.
قال الخيالي:
قوله: (فيما أخبر من أوامره) أي: فيما أرسل ولك أن تقول الأمر بالشيء يتضمن الإخبار عن وجوبه مثلا.
قوله: (والإسلام هو الخضوع والإنقياد لألوهيته تعالى) فهو تصديق خاص بأن الله تعالى حق وهذا يستلزم التصديق بسائر أحكامه فبينهما تغاير ظاهر.
قال السيالكوتي:
قوله: (فيما أرسل…إلخ) دفع لما يرد على عبارة الشارح من أن قوله من أوامره ونواهيه بان لما أخبر، فيلزم أن يكون الأوامر والنواهي من جملة الأخبار وذلك ظاهر الفساد، وحاصل الدفع أن المراد بالإخبار الإرسال، فالمعنى فيما أرسل من أوامره ونواهيه، أو نقول: إن الإخبار على معناه، وإنما جعل الأوامر والنواهي إخبارًا لاستلزامهما له، فإن الأمر بالشيء يتضمن الإخبار عن وجوبه، والنهي عن الشيء يتضمن الإخبار عن تحريمه.
قوله: (وذا يستلزم التصديق…إلخ) أي التصديق بألوهيته تعالى يستلزم التصديق بجميع أحكامه إجمالًا، وأما تفصيلًا فبعد أن يثبت كونها أحكامًا، فلا يرد عليه أن بعض الكفار كانوا يصدقون بالله تعالى مع أنهم لا يصدقون بسائر الأحكام؛ لأن عدم تصديقهم لعدم ثبوت كونها أحكام الله عندهم.
قوله: (فبينهما تغاير ظاهر) أي إذا كان الإسلام مستلزمًا للإيمان يكون بينهما مغايرة ظاهرة بحسب المفهوم؛ لأن اللازم يغاير الملزوم، فعلم أنهم لم يريدوا الاتحاد بحسب المفهوم بل الاتحاد ونفي التغاير بحسب الصدق.
قال الشارح: فإن قيل: قوله تعالى: ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ صريح في تحقيق معنى الإسلام بدون الإيمان. قلنا: المراد به أن الإسلام المعتبر في الشرح لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية بمعنى الانقياد الظاهر من غير انقياد الباطن، بمنزلة المتلفظ بكلمة الشهادة من غير تصديق في باب الإيمان.
قال الخيالي:
قوله: (وهو في الآية بمعنى الإنقياد الظاهر) والأولى أن يقال قولهم أسلمنا لا يستلزم تحقق مدلوله ولذا يصح أن يقال ولكن قولوا آمنا.
قال السيالكوتي:
قوله: (الأولى أن يقال…إلخ) حاصله أنا لا نسلم أن الآية صريحة في تحقق الإسلام بدون الإيمان؛ لأن المثبت هو القول بالإسلام وهو لا يستلزم تحقق مدلوله في نفس الأمر؛ لأن دلالة الألفاظ ليست قطعية، ولذلك يصح أن يقال: بدل قولنا أسلمنا آمنا بأن يقال: قل لم تؤمنوا ولكن قولوا آمنا، ووجه الأولوية أن في جواب الشارح صرف لفظ أسلمنا عن معناه الشرعي الحقيقي إلى المعنى اللغوي المجازي بخلاف هذا الجواب فإنه مستعمل في معناه الشرعي هذا، ويرد عليه أن تغيير اللفظ يدل على المنع من قوله آمنا وتبديله بأسلمنا، فلو كان المراد هو القول بالإسلام لكان المناسب أن يقول: آمنا، وأيضًا لا نسلم صحة إقامة آمنا مقام أسلمنا إذ لا معنى لأمرهم بأن يقولوا: آمنا؛ لأنهم كانو قائلين بذلك على ما يدل عليه قوله تعالى: ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ بل المناسب حينئذ أن يقول: قل لم تؤمنوا ولكن قلتم آمنا.
قال الشارح: فإن قيل: قوله عليه السلام: “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً” دليل على أن الإسلام هو الأعمال لا التصديق القلبي. قلنا: المراد أن ثمرات الإسلام وعلاماته ذلك، كما قال عليه السلام لقوم وفدوا عليه: “تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس، وكما قال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.
قال الخيالي:
قوله: (فإن قيل قوله عليه السلام…إلخ) هذا معارضة في المقدمة كما أن الأول معارضة في المطلوب أعني الاتحاد، وقد يقال إذا شرط في الشهادة مواطأة القلب كما هو الحق يدل الحديث على أن الإسلام لا ينفك عن التصديق فلا يرد سؤال على المشايخ وليس بشيء لأن مراد المشايخ عدم الانفكاك من الطرفين والتصديق لا يستلزم الأعمال على أن فيه غفولا عن توجيه الكلام.
قال السيالكوتي:
قوله: (معارضة في المقدمة) أي في مقدمة الدليل؛ أعني قوله لأن الإسلام هو الانقياد والخضوع، كما أن الأول أعني قوله فإن قيل: قالت الأعراب إلخ معارضة في المطلوب أعني اتحاد الإيمان والإسلام، وتحرير المعارضة الأولى أن دليلكم وإن دل على الاتحاد ولكن عندنا ما ينفيه وهو قوله تعالى: ﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿﱠ الآية، حيث نفى الإيمان وأثبت الإسلام، وتحرير الثانية أن دليلكم وإن دل على أن الإسلام هو الانقياد ولكن عندنا ما ينفيه وهو قوله عليه السلام: “أن تشهد…” الحديث، حيث جعل الإسلام من أعمال الجوارح هذا لكن يرد عليه أن المعارضة إنما المعارضة تكون بعد إقامة الدليل، والمعلل ما أقام الدليل على المقدمة المذكورة، فالظاهر أن هذا منع لتلك المقدرة، يعني لا نسلم أن الإسلام هو الإذعان والانقياد لقوله عليه السلام: “أن تشهد…” الحديث.
قوله: (وقد يقال إذا اشترط…إلخ) أي قد يقال في جواب الاعتراض الثاني: بأنه إذا اشترط في الشهادة التي هي جزء من الإسلام مواطأة القلب كما هو الظاهر يدل الحديث على أن الإسلام لا ينفك عن التصديق لامتناع تحقق المشروط بدون الشرط، فلا يرد سؤال على مذهب المشايخ القائلين بعدم انفكاك أحدهما عن الآخر، نعم لو لم يشترط المواطأة في الشهادة كما هو مذهب الكرامية ينفك الإسلام عن التصديق، لكن ذلك باطل على ما مر.
قوله: (وليس بشيء…إلخ) أي ما يقال ليس بشيء لأن؛ مراد المشايخ عدم انفكاك كل منهما عن الآخر على ما صرح به الشارح في تحرير المدعي بأن مرادهم أن كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، وعلى تقدير اشتراط المواطأة إنما يثبت استلزام الإسلام الإيمان وأما استلزام الإيمان له فلا؛ لأن التصديق لا يستلزم الأعمال، ويمكن أن يقال: إن النزاع إنما هو في تحقق الإسلام بدون الإيمان، وأما تحقق الإيمان بدونه فمما لم يذهب إليه أحد فلا حاجة إلى بيانه.
قوله: (على أن فيه غفولًا عن توجيه الكلام) يعني في هذا التوجيه غفول وعدول به عن توجيه الكلام السابق الذي هو توجيه له؛ أعني قوله: وذلك حقيقة التصديق، فإنه يدل على أن الإسلام يرادف التصديق لا أنه يستلزمه، أقول للموجه أن يقول: معنى ذلك يستلزم حقيقة التصديق والتعبير به وهو عن الاستلزام للمبالغة فيه شائع في كلامهم على ما مر من قول الشارح في بيان قوله: لا هو ولا غيره، فعدمها عدمه، ووجودها وجوده، فلا يكن غفولًا وعدولًا عن الكلام السابق.
فإذا وُجِدَ مِن العبدِ التصديقُ والإقرارُ صحَّ له أنْ يقولَ: أنا مؤمنٌ حَقًّا، ولا ينبغي أنْ يقولَ: أنا مؤمنٌ إنْ شَاءَ الله.
قال الشارح: (وإذا وجد من العبد التصديق والإقرار صح له أن يقول: أنا مؤمن حقاً) لتحقيق الإيمان له. (ولا ينبغي أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله) لأنه إن كان للشك فهو كفر لا محالة، وإن كان للتأدب وإحالة الأمور إلى مشيئة الله تعالى، أو للشك في العاقبة والمآل لا في الآن والحال، أو للتبرك بذكر الله تعالى أو التبرئ عن تزكية نفسه والإعجاب بحاله، فالأولى تركه لما أنه يوهم بالشك ولهذا قال: ولا ينبغي دون أن يقول: لا يجوز، لأنه إذا لم يكن للشك فلا معنى لنفي الجواز، كيف وقد ذهب إليه كثير من السلف حتى الصحابة والتابعين، وليس هذا مثل قولك: أنا شاب إن شاء الله، لأن الشباب ليس من الأفعال المكتسبة ولا مما يتصور البقاء عليه في العاقبة والمآل، ولا مما يحصل به تزكية النفس والإعجاب، بل مثل قوله: أنا زاهد متق إن شاء الله. وذهب بعض المحققين إلى أن الحاصل للعبد هو حقيقة التصديق الذي يه يخرج عن الكفر، لكن التصديق في نفسه قابل للشدة والضعف، وحصول التصديق الكامل المنجي المشار إليه بقوله تعالى: ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱠ إنما هو في مشيئة الله تعالى.
قال الخيالي:
قوله: (وذهب بعض المحققين…إلخ) حاصل كلامه أن الايمان المنوط به النجاة أمر خفي له معارضات خفية كثيرة من الهوى والشيطان فعند الجزم بحصوله لا أمن من أن يشوبه شيء من منافيات النجاة من غير علم بذلك، قال في شرح المقاصد وهذا قريب لو لا مخالفته لما يدعيه القوم من الإجماع.
قال السيالكوتي:
قوله: (من الإجماع) أي إجماع الأكثرين وعليه أبو حنيفة وأصحابه، وإنما قلنا ذلك لما قال الشارع فيما قبل: وقد ذهب إليه كثير من الصحابة والتابعين، وهو المحكي عن الشافعي، والمروي عن ابن مسعود أن الإيمان يدخله الاستثناء.
قال الشارح: ولما نقل عن بعض الأشاعرة أنه يصح أن يقال: أنا مؤمن إن شاء الله بناء على أن العبرة في الإيمان والكفر والسعادة الشقاوة بالخاتمة حتى إن المؤمن السعيد من مات على الإيمان وإن كان طول عمره على الكفر والعصيان وأن الكفار الشقي من مات على الكفر نعوذ بالله وإن كان طول عمره على التصديق والطاعة على ما أشير إليه بقوله تعالى: في حق إبليس: ﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﱠ ، وبقوله عليه السلام: “السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه”.
قال الخيالي:
قوله: (بناء على أن العبرة في الإيمان والكفر…إلخ) يعني أنه المنجي والمردي لا بمعنى أن إيمان الحال ليس بإيمان وكفره ليس بكفر ومعنى قولهم السعيد من سعد في بطن أمه أن السعادة المعتد بها لمن علم الله أنه يختم له بالسعادة كذا في شرح المقاصد فلا يرد ما قيل يلزمهم أن يكون المشرك مؤمنا سعيدا بالفعل إذا مات على الإيمان فيكون التصديق ركنا يحتمل السقوط.
قال السيالكوتي:
قوله: (إنه المنجي والمردي…إلخ) يعني أن المراد أن العبرة في الإيمان المنجي والكفر المهلك والسعادة المعتد بها أي التي يترتب عليها الثواب وكذا في الشقاوة المعتد بها إنما هي بالخاتمة، فإن من ختم له بالخير فهو مؤمن وسعيد وإلا فهو كافر وشقي، وليس المراد أن إيمان الحال ليس بإيمان، وكفر الحال ليس بكفر، فإن إيمان الحال وكذا كفره معتبر في إجراء الأحكام الدنيوية.
قوله: (فلا يرد ما قيل…إلخ) أي إذا قلنا أن المراد المنجي والملك لا مطلق الإيمان والكفر فلا يرد ما قيل: فإن مبناه على أن يكون المراد مطلق الإيمان والكفر وهو ظاهر.
والسَّعيدُ قد يَشقَى، والشّقِيُّ قد يَسعَدُ، والتغيُّرُ يكونُ على السعادَةِ والشقَاوَةِ دونَ الإسعَادِ والإشقَاءِ، وهُما من صفاتِ الله تعالى، ولا تَغيرٌ على الله تعالى ولا على صِفَاتِهِ.
قال الشارح: أشار إلى إبطال ذلك بقوله: (والسعيد قد يشقى) بأن يرتد بعد الإيمان نعوذ بالله، (والشقي قد يسعد) بأن يؤمن بعد الكفر (والتغيير يكون على السعادة والشقاوة دون الإسعاد والإشقاء وهما من صفات الله تعالى) لما أن الإسعاد تكوين السعادة والإشقاء تكوين الإشقاء. (ولا تغير على الله تعالى ولا على صفاته) لما مر من أن القديم لا يكون محلاً للحوادث. والحق أنه لا خلاف في المعنى لأنه إن أريد بالإيمان والسعادة مجرد حصول المعنى فهو حاصل في الحال، وإن أريد به ما يترتب عليه النجاة والثمرات فهو في مشيئة الله تعالى لا قطع بحصوله في الحال، فمن قطع بالحصول أراد الأول ومن فوّض إلى المشيئة أراد الثاني.