وله صفاتٌ.
قال الشارح: (وله صفات) لما ثبت من أنه عالم حي قادر إلى غير ذلك، ومعلوم أن كلاً من ذلك يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب، وليس الكل ألفاظ مترادفة، وإن صدق المشتق على الشيء يقتضي ثبوت مأخذ الاشتقاق له، فثبت له صفة العلم والقدرة والحياة وغير ذلك، لا كما تزعم المعتزلة من أنه عالم لا علم له وقادر لا قدرة له إلى غير ذلك، فإنه محالٌ ظاهر، بمنزلة قولنا: أسود لا سواد له.
قال الخيالي:
قوله: (يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب) هذا إنما يدل على زيادة المفهوم ولا كلام فيها والكلام في زيادة الحقيقة ولا يدل عليها.
قوله: (وإن صدق المشتق على الشيء يقتضي…إلخ) إن أراد اقتضاء ثبوت المأخذ في نفسه بحسب الخارج فمنقوض بمثل الواجب والموجود وإن أراد اقتضاء ثبوته لموصوفه بمعنى اتصافه به فلا يتم بذلك غرضهم وقد فرعوا عليه الأزلية بناء على امتناع قيام الحوادث الموجودة بذاته تعالى.
قوله: (أنه عالم لا علم له) فإن قلت لعل مرادهم أنه عالم لا علم صفة حقيقية له، قلت يأباه قولهم بأن له عالمية لأنها ليست صفة حقيقية أيضا وكذا قولهم عالم بالذات وعلم عين ذاته وعالميته زائدة.
قال السيالكوتي:
قوله: (هذا إنما يدل إلى زيادة إلى آخره) يعني أن مدلول المشتق ليس إلا المفهوم الحدثي الذي هو من جملة النسب والاعتبارات كالعالمية والقادرية مثلًا وصدق المشتق إنما يدل على زيادة ذلك المفهوم الحدثي ولاكلام في زيادته على ذات الواجب إنما الكلام والنزاع في زيادة حقيقة ذلك المفهوم ومايصدق هو عليه على ذاته بمعنى أنه كما أن في حقنا انكشاف الأشياء ليس بمجرد ذواتنا بل يحتاج إلى صفة زائدة هي العلم فهل في حق الواجب كذلك أم ذاته تعالى كاف في ذلك الانكشاف؟ ويترتب على ذاته البحث مايترتب على صفة العلم فينا وكذا الحال في سائر الصفات ولا شك أن ثبوت المشتق لا يدل على ذلك فمنشأ هذا الوجه عدم الفرق بين مفهوم الشيء وحقيقته.
قوله: (إن أراد اقتضاء ثبوت…إلخ) يعني إن أراد بأن ثبوت المشتق للشيء يقتضي ثبوت مأخذ الاشتقاق له أنه يقتضي ثبوت المأخذ في نفسه في الخارج حتى يثبت كون الصفات موجودة فلا نسلم ذلك فإن اتصاف ذاته تعالى بالواجب والموجود لايقتضي وجود الوجوب والوجود اللذين هما مأخذهما في الخارج لأنهما أمران اعتباريان على ماحقق وإن أراد أنه يقتضي ثبوت المأخذ لموصوفه بمعنى أن صدق المشتق على الشيء يقتضي أن يكون ذلك الشيء متصفًا بمأخذ الاشتقاق فمسلم لكن لايتم غرضهم من إثبات وجود الصفات لجواز أن يكون ذلك المأخذ من الأمور الاعتبارية ويجوز اتصاف الشيء بالأمور الاعتبارية في الخارج أجاب عنه بعض الفضلاء بأن المراد هو الثاني والمقصود منه أن المعنى الذي دل على زيادة تلك الألفاظ قائم بذاته لاكما زعمه المعتزلة من أنه متكلم بكلام هو قائم بغيره وأما ثبوته في نفسه فلكون الأوصاف المذكورة من الأمور العينية كالسواد والبياض ولما علم ثبوت مأخذ هذه الأوصاف لموصوفه وأن الوجب ليس عالمًا وقادرًا بذاته مثل كون الضوء مضيئًا بذاته بحكم المقدمة السابقة علم بالضرورة ثبوته في نفسه فكما أن اتصاف الجسم بالسواد يدل على ثبوت السواد في الخارج إذ الوجود الرابطي في الأمور العينية فرع الوجود النفسي فكذا الحال فيما نحن فيه. انتهى. وفيه أن كون هذه الأوصاف من الأمور العينية غير مسلم عند الخصم قيل: إن الترديد المذكور في كلام المحشي قبيح إذ كلام الشارح نص في الثاني لايحتمل الأول أصلًا وفيه إنما يتم لو كان الضمير المجرور في له متعين الرجوع إلى الشيء لكنه يحتمل أن يكون راجعًا إليه وأن يكون راجعًا إلى المشتق فيحتمل كلام الشارح كلا الاحتمالين كما لايخفى.
قوله: (وقد فرعوا…إلخ) تأييد لأن غرضهم من ذلك إثبات كون الصفات موجودة.
قوله: (لعل مرادهم…إلخ) يعني لعل مراد المعتزلة من قولهم عالم لاعلم له أنه ليس العلم صفة حقيقية له بل إضافة وتعلق مخصوص بين العالم والمعلوم بها تتميز الأشياء وتنكشف عنده لانفي العلم مطلقًا حتى يكون بمنزلة قولنا أسود لاسواد له فحينئذ يكون راجعًا إلى ماذهب إليه جمهور المتكلمين من أنه تعلق مخصوص بها يصير العالم عالمًا والمعلوم معلومًا.
قوله: (قلت يأباه قولهم…إلخ) يعني يأبى عن أن يكون المراد ما ذكر إثباتهم العالمية لذاته تعالى فإنها ليست صفة حقيقية أيضًا عندهم بل إضافة مخصوصة بها يصير العالم عالمًا والمعلوم معلومًا على ما قال في المواقف من أن العالمية عندهم نفس تعلق الذات بالمعلومات فلو أثبتوا العلم بمعنى الإضافة لذاته تعالى لكان معنى العالمية الاتصاف بهذه الإضافة لا نفس الإضافة فعلم أنهم ينفون العلم رأسًا ويجعلونه نفس الذات ويثبتون لذاته تعلقًا بالمعلومات يسمونه العالمية واعلم أن المراد بالعالمية ههنا على ما نقلناه عن المواقف وصرح به المحشي فيما بعد حيث قال وهو إضافة التميز والانكشاف التي يسميها المعتزلة عالمية هو التعلق بين العالم والمعلوم ولم ينكره أحد إذ لو أنكره لزم عنه إنكار كونه تعالى عالمًا وأما العالمية التي هي حال فقد أثبتها أبو هاشم من المعتزلة والقاضي الباقلاني من الأشاعرة وقالا: إنها صفة لذات الواجب ليست موجودة ولامعدومة قائمة بوجود لها تعلق بالمعلومات وهي ليست بمرادة ههنا إذ هي ليست إضافة بل ذات إضافة ولم يثبتها أحد سواهما وبما ذكرنا ظهر فساد ما قال الفاضل المحشي ههنا فإنه مبني على عدم الفرق بين المعنيين فانظر فيه وقيل في توجيهه إن إثبات العالمية يأبى عما ذكر؛ لأن العالمية أيضًا ليست صفة حقيقية له فلو كان المراد من قولهم: لا علم له نفي كون العلم صفة حقيقية له فالعالمية أيضًا كذلك فلا وجه لتخصيص العلم بالمنفي بهذا المعنى دون العالمية إذ هما متساوية الأقدام في ذلك. تأمل فخذ ما صفا ودع ما كدر.
قوله: (و كذا قولهم عالم بالذات) يعني يأبى ما ذكر قولهم عالم بالذات وهو ظاهر وقولهم علمه عين ذاته وعالميته زائدة حيث جعلوا العلم عين ذاته والعالمية التي هي تعلق مخصوص زائدة على ذاته إذ لو كان المراد أنه ليس أمرًا حقيقيًا زائدًا على ذاته تعالى في الخارج والعالمية أيضًا كذلك فلا وجه لحعلها زائدة حيث جعلوا العلم عين ذاته والعالمية التي هي تعلق مخصوص زائدة فعلم أنهم ينفون العلم مطلقًا ويجعلون العالمية معللة بذاته تعالى.
قال الباجوري:
قوله: (وله صفات) أي: وله تعالى دون غيره صفات حقيقية زائدة على ذاته، فنبه بتقديم المسند على المسند إليه على وحدانية الصفات، بمعنى أن هذه الصفات مختصة به تعالى لا يشاركه فيها غيره، ولا ينافي ذلك أن لنا قدرة وعلما وغير ذلك؛ لأن صفاتنا ليست كصفات الله إذ قدرة الله بها الإيجاد والإعدام بخلاف قدرتنا، وعلم الله تعالى محيط بجميع الأشياء تفصيلا بخلاف علمنا وهكذا، فالمماثلة بين صفاته تعالى وصفات غيره إنما هي في مطلق الاسم.
قوله: (لما ثبت من أنه عالم قادر…إلخ) تعليل لقوله “وله صفات” أي: لما ثبت عقلا وشرعا من الصفات المشتقة، وهي أنه عالم قادر…إلخ. وقوله: (إلى غير ذلك) أي: وأنته إلى غير المذكور كمريد وسميع وبصير.
وقوله: (ومعلوم أن كلا من ذلك…إلخ) هو من تتمة التعليل أي: ومعلوم أن كلا مما ذكر من الصفات المشتقة…إلخ.
وقوله: (يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب) أي: فعالم يدل على معنى زائد على الذات العلية وهو العلم، وقادر يدل على معنى ذائد على الذات العلية وهو القدرة وهكذا، والمراد بمفهوم الواجب مفهوم لفظ الجلالة وهو الذات العلية، وليس المراد به مفهوم هذا المشتق، وإنما عبر عن الذات بمفهوم الواجب أنه فسر لفظ الجلالة سابقا بالذات الواجب الوجود. وقد اعترض بأن هذا إنما يدل على زيادة مفهوم الصفات على الذات ولا كلام فيها؛ لأنها ليست المدعى، والكلام في زيادة حقيقة الصفات على الذات ولا يدل عليها؛ لأن المفهوم من الصفات المشتقة ليس إلا النسب التي هي العالمية والقادرية وغير ذلك، وهذه أمور اعتبارية، وحينئذ فمنشأ هذا الوجه عدم الفرق بين مفهوم الصفات وحقيقتها.
وقوله: (وليس الكل ألفاظا مترادفة) أي: والحال أنه ليس كل الصفات المذكورة من عالم وقادر…إلخ ألفاظا مترادفة على معنى واحد؛ لأنها مختلفة في المفهوم قطعا، وإنما قيد بذلك ليستفاد أن له صفات متعددة، وإلا فقد يقال ما ثبت من أنه عالم قادر…إلخ لا يدل على أنه له صفات متعددة؛ لجواز أن يكون الكل ألفاظا مترادفة على معنى واحد، ونبه بنفي ترادف الكل على أن ترادف البعض ثابت كما في المشيء والمريد على ما فيه.
قوله: (وإن صدق المشتق على شيء يقتضي…إلخ) أي: ومعلوم أن صدق المشتق على شيء يقتضي…إلخ فهو معطوف على قوله “إن كلا من ذلك …إلخ” فالمعنى إن صدق المشتق على شيء أي: حمله عليه والإخبار به عنه، كأن يقال الله عالم قادر إلى غير ذلك، يقتضي ثبوت مآخذ الاشتقاق وهو المشتق منه لذلك الشيء؛ لأن المشتق موضوع للذات المتصفة بمآخذ الاشتقاق الذي هو المشتق منه، وقد اعترض بأنه أراد بقوله “يقتضي ثبوت مآخذ الاشتقاق له” أنه يقتضي ثبوت المآخذ في نفسه بحسب الخارج فمنقوض بمثل الواجب والموجود؛ لأن صدق الواجب والموجود على الذات لا يقتضي ثبوت المآخذ في نفسه بحسب الخارج؛ لأن الوجوب والوجود أمران اعتباريان لا وجود لهما في الخارج، وإن أراد بذلك أنه يقتضي ثبوت المآخذ لموصوف المشتق بمعنى اتصاف موصوف به فلا يتم بذلك غرضهم، وهو كون تلك الصفات موجودة في الخارج؛ لجواز أن يكون المأخذ من الأمور الاعتبارية، وقد فرعوا عليه الأزلية بناء على امتناع قيام الحوادث الموجودة بذاته، فتفريعهم المذكور يقتضي وجودها في الخارج لا ثبوتها لموصوفها، مع كونها أمورا اعتبارية. وأجاب بعضهم بأنا نختار الشق الأول من الترديد، ولا يرد النقض بمثل الواجب والموجود؛ لأن أهل اللغة يفهمون من نحو عالم قادر أن العلم والقدرة مثلا من الصفات التي لها تحقق في الخارج، بخلاف مثل الواجب والموجود، فإنهم يفهمون منه أن الوجوب والوجود مثلا من الصفات التي ليس لها تحقق في الخارج.
قوله: (فثبت أن له صفة العلم والقدرة…إلخ) أي: وإذا ثبت أنه عالم قادر إلى آخرها، وأن كلا منها يدل على معنى زائد على مفهوم الواجب وأن صدق المشتق على شيء يقتضي ثبوت مآخذ الاشتقاق له، ثبت أن له صفة العلم والقدرة…إلخ، فتحصل من ذلك أن الشارح تمسك في ثبوت الصفات له تعالى بثبوت الصفات المشتقة من العالم والقادر إلى آخرها، المستلزم لثبوت مبادئها التي اشتقت منها، المستلزم لثبوت تلك الصفات، وإضافة صفة لما بعدها للبيان،
وقوله: (وغير ذلك) أي: من الإرادة والكلام والسمع والبصر.
قوله: (لا كما تزعم المعتزلة…إلخ) عطف على قوله: “فثبت أن له صفة العلم…إلخ” لأنه يعلم منه أنه عالم بعلم وقادر بقدرة إلى غير ذلك.
وقوله: (أنه عالم لا علم له…إلخ) بيان لما تزعم المعتزلة فهو على تقدير من، فإن قيل لعل العلم المنفي في كلامهم بمعنى الصفة الحقيقية التي لها تحقق في الخارج فيكون مرادهم أنه عالم لا علم صفة حقيقية له، فلا ينافي أنهم يثبتون العلم بمعنى الإضافة، والنسبة بين العالم والمعلوم، وحينئذ تكون المعتزلة موافقة لمن ذهب من المتكلمين إلى أن العلم تعلًّق مخصوص يصير العالم عالما والمعلوم معلوما، أجيب بأنه يأباه قولهم بأنه له عالمية؛ لأنها ليست صفة حقيقية أيضا، وكان مقتضى ذلك نفيها ظاهرا كالعلم، بأن يقال لا علم ولا عالمية له أي: في الخارج، فلا ينافي أنهما أمران اعتباريان، وكذا قولهم عالم بذاته؛ لأنهم لم يقولوا عالم بعلم وإنما قالوا عالم بذاته، فدله ذلك على إنكارهم للعلم بالكلية. وقولهم “علمه عين ذاته وعالميته زائدة” لأنهم لو أثبتوا العلم بمعنى الإضافية كالعالمية لقالوا علمه زائد على ذاته، كما قالوا عالميته زائدة مع أنهم لم يقولوا ذلك، وإنما قالوا علمه عين ذاته وعالميته زائدة، فدل ذلك على أنهم ينكرون العلم رأسا.
وقوله: (إلى غير ذلك) أي: وانته إلى غير ذلك كسميع لا سمع له وبصير لا بصر له، لكن جمهور المعتزلة أثبتوا صفة الحياة والإرادة فيكون حيا بحياة ومريدا بإرادة، وحينئذ فلا يصح تعليلهم نفس الصفات بالتحيز عن ثبوت القدماء.
وقوله: (فإنه محال ظاهرا) أي: فإن ما تزعمه المعتزلة محال ظاهر الاستحالة؛ لاستلزامه ثبوت المشتق بدون المشتق منه.
وقوله: (بمنزلة قولنا أسود لا أسود له) أي: فهو بمنزلة قولنا في جسم أسود لا سواد له وهو محال قطعا؛ إذ لا يوصف الجسم بكونه أسود إلا بعد ثبوت السواد له لكن كونه بمنزلة ذلك فيه نظر؛ لأنهم قالوا عالم بذاته وقادر بذاته وهكذا، ولا يتصور أن يقال أسود بذاته؛ لأن ذاته لا تكفي في إطلاق الأسود عليه بخلافها في إطلاق العالم والقادر ونحوه عليه؛ لأن تعلق الذات من غير أمر زائد عليها أمر يعقل كونه كافيا في الإطلاق المذكور.
قال الشارح: وقد نطقت النصوص بثبوت علمه وقدرته وغيرهما. ودل صدور الأفعال المتقنة على وجود علمه وقدرته لا على مجرد تسميته عالماً قادراً. وليس النِّزاع في العلم والقدرة التي هي من جملة الكيفيات والملكات لما صرح به مشايخنا من أن الله تعالى حي وله حياة أزلية ليست بعرض ولامستحيل البقاء، والله تعالى عالم وله علم أزلي شامل ليس بعرض ولا مستحيل البقاء ولا ضروري ولا مكتسب، وكذا سائر الصفات، بل النزاع في أنه كما أن للعالِم منَّا علماً هو عرض قائم به زائد عليه حادث فهل لصانع العالم علم هو صفة أزلية قائمة به زائدة عليه، وكذا جميع الصفات.
قال الخيالي:
قوله: (و دل صدور الأفعال المتقنة على وجود علمه) فيه تأمل بل المدلول هو إضافة التمييز والانكشاف التي يسميها المعتزلة عالمية وقد قال صاحب المواقف لا تثبت في غير الإضافة.
قال السيالكوتي:
قوله: (فيه تأمل…إلخ) أي: في دلالة صدور الأفعال المتقنة على وجود صفة العلم التي هي مبدأ الانكشاف والتميز تأمل إذ الصدور على وجه الإتقان إنما يدل على أن فاعلها متصف بالإضافة التي هي التميز والانكشاف وهي التي يسميها المعتزلة عالمية وأما اتصاف فاعلها بصفة أخرى التي هي مبدأ لتلك الإضافة فلا، ولذا قال صاحب المواقف: إنه لا حجة على ثبوت أمر سوى الإضافة التي بها يصير العالم عالمًا والمعلوم معلومًا، قال المحقق الدوائي في شرح العقائد العضدية: اعلم أن مسألة زيادة الصفات وعدم زيادتها ليست من الأصول التي يتعلق بها تكفير أحد الطرفين وقد سمعت عن بعض الأصفياء أنه قال: عندي أن زيادة الصفات وعدمها وأمثالها مما لا يدرك إلا بكشف ومن أسندها إلى غير الكشف فإنما يري له ما كان غالبًا على اعتقاده بحسب النظر الفكري ولا أرى بأسًا في اعتقاد أحد طرفي النفي والإثبات في هذه المسألة.
قال الباجوري:
قوله: (وقد نطقت النصوص…إلخ) هذا إشارة إلى دليل نقلي بعد الدليل العقلي المذكور بقوله “لما ثبت إلخ”، وقوله: “ثبوت علمه وقدرته وغيرهما” فمن النصوص الناطقة بثبوت علمه قوله تعالى:ﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪﱠ ومن النصوص الناطقة بثبوت القدرة قوله تعالى:ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ أي: القدرة ومن النصوص الناطقة بثبوت غيرهما قوله تعالى:ﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ .
قوله: (ودل صدور الأفعال المتقنة على وجود علمه…إلخ) هذا إشارة إلى دليل ثالث بعد الدليلين السابقين، وفي كون صدور الأفعال المتقنة يدل على وجود علمه تأمل؛ لأنه لا يرد على ذلك بل المدلول هو إضافة التمييز والانكشاف التي يسميها المعتزلة عالمية، وقد قال صاحب المواقف: لا ثبت في غير الإضافة، أي: لا حجة تدل على ثبوت غير الإضافة التي هي العالمية، وأجيب بأن اتقان الفعل في الشاهد يكون بوجود العلم فيرشد ذلك إلى أنه في الغائب كذلك؛ إذ لا صارف عنه.
وقوله: (لا على مجرد تسميته عالما وقادرا) أي: لا على تسميته عالما وقادرا المجردة عن وجود علمه وقدرته؛ إذ لا يعقل إسناد فعل إليه من حيث تسميته بالأسماء مع قطع النظر عن اتصافه بالصفات، لكن للخصم أن يقول لا نمنع دلالة صدور الفعل المتقن على ثبوت العلم للفاعل، إلا أن ذلك لها يستلزم وجوده؛ لأنه يكفي في ثبوت العلم للفاعل الإضافة التي هي العالمية.
قوله: (وليس النزاع في العلم والقدرة…إلخ) جواب عما يقال يلزم من إثبات أهل السنة لتلك الصفات أن يكون المولى محلا للأعراض؛ لأنها من جملة الكيفيات والملكات وذلك محال في حقه تعالى. وحاصل الجواب: أن النزاع بين أهل السنة والمعتزلة ليس في الصفات التي هي من جملة الكيفيات والملكات لانتفاء الأعراض عنه تعالى اتفاقا، بل النزاع في صفات أزلية قائمة بذاته زائدة عليه.
وقوله: (التي هي من جملة الكيفيات والملكات) صفة للقدرة وتكون صفة العلم محذوفة أي: الذي هو من جملة الكيفيات والملكات، والمراد بالكيفيات الصفات النفسية، وعطف الملكات على الكيفيات من عطف الخاص على العام؛ لأن الملكة كيفية راسخة في النفس بها يحصل الاقتدار على تحصيل مقاصد خاصة.
قوله: (لما صرح به مشايخنا…إلخ) علة لقوله “وليس النزاع في العلم والقدرة…إلخ” والمراد بمشايخنا مشايخ أهل السنة،
وقوله: (من أن الله تعالى حي…إلخ) بيان لما صرح به مشايخنا.
وقوله: (وله حياة أزلية ليست بعرض ولا مستحيل البقاء) أي: والكيفيات والملكات أعراض مستحيلة البقاء بناء على قول الأشعري إن العرض لا يبقى زمانين، ولا يخفى أن قوله “ولا مستحيل البقاء” لازم لما قبله.
وقوله: (والله تعالى عالم…إلخ) معطوف على قوله “الله تعالى حي…إلخ”.
وقوله: (وله علم أزلي شامل ليس بعرض ولا مستحيل البقاء) أي: والكيفيات والملكات أعراض مستحيلة البقاء كما تقدم، والمراد بكونه شاملا أنه متعلق بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات.
وقوله: (ولا ضروري) أي: لأن الضروري وإن كان يطلق على ما لا يتوقف على نظر واستدلال، وهذا المعنى صحيح في حقه تعالى، لكنه يطلق أيضا على ما قارن الضرورة أي: الحاجة، وهذا المعنى محال في حقه تعالى، فيمتنع إطلاق الضروري في حقه تعالى؛ دفعا لتوهم المعنى الثاني.
وقوله: (ولا مكتسب) أي: لأن المكتسب ما حصل بالاكتساب فيستلزم سبق الجهل.
وقوله: (وكذا في سائر الصفات) أي: كالقدرة والإرادة فيقال الله قادر وله قدرة ليست بعرض ولا مستحيل البقاء.
قوله: (بل النزاع في أنه كما أن للعالم منا علما…إلخ) إضراب انتقالي عن قوله “وليس النزاع في العلم والقدرة…إلخ” والضمير في “أنه” للحال والشأن والعالم بكسر اللام.
وقوله: (هو عرض) أي: أمر وجودي.
وقوله: (زائد عليه) أي: زائد على ذاته، فلذاته وجود مخصوص وللعلم القائم بها وجود آخر.
وقوله: (حادث) أي: مسبوق بالعدم وهو توكيد لما استفيد من قوله “هو عرض”.
وقوله: (فهل لصانع العالم علم هو صفة أزلية قائمة به زائدة عليه) أي: فهل لموجد العالم الذي هو ما سوى الله تعالى صفة موجودة في الخارج أزلية قائمة به زائدة على ذاته، فلذاته المقدسة وجود مخصوص وللعلم القائم به وجود آخر.
وقوله: (وكذا جميع الصفات) كان الأولى أن يقول: “وكذا باقي الصفات”، فيقال والنزاع في أنه كما أن للقادر منا قدرة هي عرض قائم به زائد عليه حادث، فهل لصانع العالم قدرة هي صفة أزلية قائمة به زائدة عليه.
قال الشارح: فأنكره الفلاسفة والمعتزلة وزعموا أن صفاته عين ذاته، بمعنى أن ذاته تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالماً وبالمقدورات قادراً إلى غير ذلك، فلا يلزم تكثر في الذات ولا تعدد في القدماء والواجبات. والجواب ما سبق من أن المستحيل تعدد الذوات القديمة وهو غير لازم، ويلزمكم كون العلم مثلاً قدرة وحياة وعالماً وحياً وقادراً وصانعاً للعالم ومعبوداً للخلق وكون الواجب غير قائم بذاته إلى غير ذلك من المحالات.
قال الخيالي:
قوله: (ويلزمكم كون العلم قدرة) لهم أن يقولوا اتحاد المفهومين هو المحال وليس بلازم واتحاد الذاتين هو اللازم وليس بمحال.
قوله: (وكون الواجب غير قائم بذاته) لهم أن يقولوا حقيقة العلم في شأنه تعالى قائم بذاته تعالى لأنه عين ذاته.
قال السيالكوتي:
قوله: (لهم أن يقولوا) أي: للقائلين بعينية الصفات أن يقولوا: اتحاد المفهومين كمفهوم العلم والقدرة مثلًا محال وهو ليس بلازم إذ لا نقول بأن كونه قادرًا عين كونه عالمًا بل نقول إن ما يصدق عليه القدرة؛ أعني: ذات الواجب تعالى يصدق عليه العلم فاللازم اتحاد الذاتين وليس بمحال إذ يجوز صدق المفهومات المتغايرة اعلى ذات واحدة.
قوله: (لهم أن يقولوا) يعني لهم أن يقولوا إن ما صدق عليه العلم وكذا سائر الصفات في شأنه تعالى قائم بذاته؛ لأنه عين ذاته تعالى بخلاف ما يصدق عليه العلم في شأننا فإنه غير قائم بذاتنا لكونه مغايرًا لذواتنا ويجوز أن يكون للعلم أفراد بعضها قائم بذاته وبعضها بغيره بأن يكون مقولًا بالتشكيك.
قال الباجوري:
قوله: (فأنكره الفلاسفة والمعتزلة وزعموا أن صفاته عين ذاته) أي: فأنكر كل من الفلاسفة والمعتزلة أن لصانع العالم صفات أزلية قائمة به زائدة عليه، وزعم كل منهما أن صفاته عين ذاته، لا بمعنى أنه له صفات قائمة به وتلك الصفات عين ذاته كما هو ظاهر العبارة؛ لأنه لا يعقل أن تكون الصفة عين الذات، بل بمعنى أن ذاته تسمى عالما باعتبار تعلقها بالمعلومات، وتسمى قادرا باعتبار تعلقها بالمقدورات وهكذا ولذلك قال الشارح: “بمعنى أن ذاته تسمى…إلخ”، وإضافة “معنى” لما بعده للبيان.
وقوله: (إلى غير ذلك) أي: وإنه إلى غير ذلك فيقال: وبالمسموعات سميعا وبالمبصرات بصيرا وهكذا، والحاصل: أن معنى كون الصفات عين الذات، أن الذات تسمى بالمشتق من تلك الصفات باعتبار التعلقات.
وقوله: (فلا يلزم تكثر في الذات) راجع لكل من الفلاسفة والمعتزلة.
وقوله: (ولا تعدد في القدماء) راجع للمعتزلة دون الفلاسفة؛ لأنهم يقولون بتعدد القدماء، فإنهم يقولون بقدم العالم.
وقوله: (والواجبات) أي: ولا تعدد في الواجبات وهذا أيضا خاص بالمعتزلة.
قوله: (والجواب ما سبق من أن المستحيل تعدد الذوات القديمة) أي: والجواب بالنسبة للزوم التعدد في القدماء والواجبات ما سبق في بحث القديم من أن المستحيل تعدد الذوات القديمة، وكذلك تعدد الذوات الواجبة. وأما الجواب بالنسبة للزوم التكثر في الذات، فهو أن تكثر الذات بالصفات غير مضر؛ لأنه ليس حقيقيا، وإنما المضر تكثر الذات حقيقة بأن تكون مركبة من أجزاء.
وقوله: (وهو غير لازم) أي: وتعدد الذوات القديمة غير لازم للقول بثبوت الصفات، وإنما يلزم منه أن يكون هناك ذات قديمة متصفة بصفات قديمة، وهو لا يضر لأنه لا ينافي التوحيد؛ إذ التوحيد إثبات ذات قديمة دون غيرها من الذوات، ولا يقدح في ذلك القول بثبوت الصفات. قوله: (ويلزمكم كون العلم مثلا قدرة) أي: لأنه إذا كانت الصفات عين الذات كما قالوا يلزم منه كون العلم هو القدرة، فإنهما عين الذات وكون العلم عين القدرة محال، ولهم أن يقولوا اتحاد المفهومين هو المحال، وهو ليس بلازم؛ لأن مفهوم العلم عندهم هو الذات باعتبار تعلقها بالمعلومات، ومفهوم القدرة عندهم هو الذات باعتبار تعلقها بالمقدورات، وليس المفهوم فيهما هو الذات من حيث هي، حتى يلزم اتحاد المفهومين، واللازم إنما هو اتحاد الذاتين فيلزم كون العلم مثلا: عين القدرة بمعنى أن ذاتهما أي: ما صدقهما واحد وهو الذات العلية، وهو ليس بمحال. ألا ترى إلى الكاتب والضاحك فإنهما متحدان ذاتا مع كونهما مختلفين مفهوما، وما قيل في العلم مع القدرة يقال فيه مع الحياة وغيرها من بقية الصفات، وكذا يقال في كل صفة مع ماعداها من الصفات.
وقوله: (وعالما وحيا…إلخ) أي: لأنهم إذا قالوا بأن الصفات عين الذات يلزمهم كون العلم عين العالم والحي…إلخ لكن هذا الإلزام مبني على ظاهر قولهم بأن الصفات عين الذات، وأما بعد تأويلها بما تقدم فلا يلزمهم ذلك؛ لأنهم لا يثبتون الصفات ويقولون إنها عين الذات حقيقة.
وقوله: (وكون الواجب غير قائم بذاته) أي: لأنهم إذا قالوا بأن الصفات عين الذات يلزمهم كون الواجب غير قائم بذاته، فإن الصفات غير قائمة بذاتها، وقد قالوا بأنها عين الذات التي هي الواجب، فيكون الواجب غير قائم بذاته، ولهم أن يقولوا حقيقة العلم في شأنه تعالى قائم بذاته؛ لأنه عين ذاته، وهي قائمة بذاتها فيكون العلم قائما بذاته.
وقوله: (إلى غير ذلك من المحالات) أي: وانته إلى غير ذلك من المحالات، مثل كون الصفة والموصوف شيئا واحدا.
أزليةٌ قائمةٌ بذاتِهِ.
قال الشارح: (أزلية) لا كما تزعم الكرامية من أن له صفات لكنها حادثة لاستحالة قيام الحوادث بذاته تعالى.(قائمة بذاته) ضرورة أنه لا معنى لصفة الشيء إلا ما يقوم به، لا كما تزعم المعتزلة من أنه متكلم بكلام هو قائم بغيره، لكن مرادهم نفي كون الكلام صفة له لا إثبات كونه صفة له غير قائم بذاته. ولما تمسكت المعتزلة بأن في إثبات الصفات إبطال التوحيد لما أنها موجودات قديمة مغايرة لذات الله تعالى، فيلزم قدم غير الله تعالى وتعدد القدماء، بل تعدد الواجب لذاته على ما وقعت الإشارة إليه في كلام المتقدمين والتصريح به في كلام المتأخرين من أن واجب الوجود بالذات هو الله تعالى وصفاته، وقد كفرت النصارى بإثبات ثلاثة من القدماء فما بال الثمانية أو أكثر
قال الباجوري:
قوله: (أزلية) أي: لا ابتداء لها، واختلف في الأزلي والقديم، فقيل مترادفان على معنى واحد، وهو ما لا ابتداء له وجوديا كان أو عدميا، وقيل الأزلي أعم من القديم، وعليه فيعرف الأزلي بما تقدم ويعرف القديم بأنه موجود لا أول له، فعدمنا السابق على وجودنا أزلي وقديم على الأول، وأزلي فقط على الثاني.
وقوله: (لا كما زعم الكرامية) عطف على قوله “أزلية” والكرامية بكسر الكاف وتخفيف الراء، نسبة إلى محمد بن كرام المذكور في قول القائل: “الفقه فقه أبي حنيفة عندنا***والدين دين محمد بن كرام” وقد اشتهر في الكرامة فتح الكاف وتشديد الراء وهو موافق لقول بعضهم: كـرَّام كنظام.
وقوله: (من أن له سبحانه صفات لكنها حادثة) بيان لما زعمه الكرامية، وظاهر كلام الشارح أنهم قائلون بحدوث الصفات الآتية وكلام بعض الحواشي يفيد ذلك، وقال بعضهم إنهم قائلون بقيام الحادث بذاته تعالى، ثم اختلفوا في ذلك الحادث فقيل هو الإرادة، وقيل قوله “كن” ورد عليهم بأنه يلزم من الاتصاف بالحادث التغير المنافي للوجوب،
وقوله: (لاستحالة قيام الحوادث بذاته تعالى) علة لقول المتن “أزلية” أو لقول الشارح “لا كما زعم الكرامية…إلخ”.
قوله: (قائمة بذاته) المراد بقيامها بالذات اتصاف الذات بها.
وقوله: (ضرورة أنه لا معنى لصفة الشيء إلا ما يقوم به) علة لقوله “قائمة بذاته” وعلم من ذلك أن غرض المصنف الرد على المعتزلة.
وقوله: (من أنه متكلم بكلام وهو قائم بغيره) بيان لما زعمه المعتزلة، والمراد بذلك الغير المحل الذي خلق الله فيه الكلام مما يريد كونه مظهرا لكلامه.
وقوله: (لكن مرادهم نفي كون الكلام صفة له لا إثبات كونه صفة له غير قائم بذاته) دفع بهذا الاستدراك توهم أن الرد على المعتزلة في محله؛ لأنه لا ينبغي الرد عليهم بقوله “قائمة بذاته” إلا لو كان مرادهم إثبات كونه صفة غير قائمة بذاته، لكن مرادهم نفي كون الكلام صفة له؛ لأن صفة الشيء لا تقوم بغيره.
قوله: (ولـمّا تمسكت المعتزلة بأن في إثبات الصفات الذي قال به أهل السنة إبطال التوحيد…إلخ) دخول على كلام المتن، والمعنى: ولما تمسكت المعتزلة في نفيهم الصفات بأن في إثبات الصفات التي قال به أهل السنة إبطال التوحيد إلخ وسيأتي جواب لـمّا وهو قوله “أشار إلى الجواب…إلخ”.
وقوله: (لما أنها موجودات…إلخ) علة لكون إثبات الصفات فيه إبطال التوحيد و”ما” زائدة والضمير للصفات.
وقوله: (مغايرة لذات الله تعالى) أي: وكذا كل صفة منها مغايرة للأخرى.
قوله: (فيلزم قدم غير الله تعالى وتعدد القدماء) أي: فيلزم من إثبات الصفات قدم غير الله تعالى، وهو تلك الصفات وتعدد القدماء من الذات والصفات.
وقوله: (بل تعدد الواجب لذاته) أي: بل يلزم من إثبات الصفات تعدد الواجب لذاته من الذات والصفات، بناء على الطريقة القائلة بأن الصفات واجبة لذاتها، كما أشار إليه الشارح بقوله “على ما وقعت الإشارة إليه في كلام المتقدمين والتصريح به في كلام المتأخرين” والمراد بالمتقدمين: من حكي عنهم في مبحث القديم أن الواجب والقديم مترادفان، والمراد بالمتأخرين: الشيخ حميد الدين وأتباعه.
وقوله: (من أن واجب الوجود بالذات هو الله تعالى وصفاته) بيان لـ”ما”.
قوله: (وقد كفرت النصارى بإثبات ثلاثة من القدماء) من تتمة ما تمسكت المعتزلة، والجملة حالية.
وقوله: (فما بال الثمانية أو أكثر) أي: فما حال الثمانية على طريقة الأشاعرة من إثبات صفات المعاني السبع مع الذات أو أكثر من الثانية على طريقة الماتريدية من إثبات صفات المعاني الثمانية بزيادة التكوين مع الذات أو على طريقة من يجعل البقاء صفة معنى.
وهي لا هُو ولا غيرُهُ.
قال الشارح: أشار إلى جوابه بقوله: (وهي لا هو ولا غيره) يعني أن صفات الله تعالى ليست عين الذات ولا غير الذات، فلا يلزم قدم الغير ولا تكثر القدماء.والنصارى وإن لم يصرحوا بالقدماء المتغايرة لكن لزمهم ذلك، لأنهم أثبتوا الأقانيم الثلاثة التي هي الوجود والعلم والحياة، وسموها الأب والابن وروح القدس، وزعموا أن أقنوم العلم قد انتقل إلى بدن عيسى عليه السلام فجوزوا الانفكاك والانتقال، فكانت الأقانيم ذوات متغايرة. ولقائل أن يمنع توقف التعدد والتكثير على التغاير، بمعنى جواز الانفكاك للقطع بأن مراتب الأعداد من الواحد والاثنين إلى غير ذلك متعدده متكثرة مع أن البعض جزء من البعض، والجزء لا يغاير الكل.
قال الخيالي:
قوله: (أشار إلى الجواب بقوله) إنما لم يقل أجاب بقوله لأن الجواب التام نفي المغايرة بين الذات والصفات وبين الصفات بعضها مع بعض والمصنف قد اقتصر على الأول لكن أشار إلى أن التعدد فرع التغاير وبه يعلم الجواب بالنسبة إلى الصفات أيضا إذ ليست مغايرة ولأن الغرض الأصلي ههنا بيان حكم الصفات ولذلك ذكر قوله لا هو وإلا فلا مدخل له في الجواب.
قوله: (فلا يلزم قدم الغير ولا تكثر القدماء) ولك أن تحمل كلام المصنف على أنه لا يلزم قدم الغير فلا محذور لأن المحذور تعدد القدماء المتغايرة لا مطلق التعدد فلا يرد السؤال قطعا وإنما حمل الشارح على ما ذكره لشهرته فيما بين القوم.
قوله: (لكن لزمهم ذلك) قيل عليه اللزوم غير الالتزام ولا كفر إلا بالالتزام وجوابه أن لزوم الكفر المعلوم كفر أيضا ولذا قال في المواقف من يلزمه الكفر ولا يعلم به فليس بكافر ولا شك أن لزوم الذاتية للانتقال من أجلى البديهيات على أن قوله تعالى: ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ بعد قوله تعالى: ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ شاهد صدق على أنهم كانوا يقولون بآلهة وذوات ثلاثة وأيضا ترتب الحكم على المشتق يدل على علّية المأخذ فإن انحصرت العلة في الالتزم تعين ذلك منهم وعبارة الشارح إنما تشير إلى الأول.
قوله: (هي الوجود والحياة والعلم) من غاية جهلهم جعلوا الذات الواحدة نفس ثلاث صفات وقالوا أنه تعالى جوهر واحد له ثلاثة أقانيم وأرادوا بالجوهر القائم بنفسه وبالأقنوم الصفة وقد يوجه بأنه ميل منهم إلى أن الصفات نفس الذات لكن لا يلائمه قولهم القدماء الثلاثة إذ لو قطع النظر عن الاتحاد فأربعة وإلا فواحد.
قوله: (للقطع بأن مراتب الأعداد من الواحد…إلخ) العدد هو الكم المنفصل ولا انفصال في الواحد فلا يكون عددا ولذا فسروه بما هو نصف مجموع حاشيتيه ومنهم من قال العدد ما يقع في العد فيكون أعم من الكم المنفصل فكلام الشارح مبني على هذا المذهب أو على التغليب.
قوله: (مع أن البعض جزء من البعض) يرد عليه أنهم اتفقوا على أن كلا من المراتب لا يتألف إلا من وحدات مبلغها تلك المرتبة فأجزاء العشرة عشر وحدات لا خمستان ولا ستة وأربعة إلى غير ذلك من الاحتمالات.
قال السيالكوتي:
قوله: (قد اقتصر على الأول) أي: بيان نفي المغايرة بين الذات والصفات حيث قال: لا هو ولا غيره ولم يقل: ولا هي متغايرة.
قوله: (لكن أشار…إلخ) يعني أشار المصنف بنفي تعدد الذات والصفات القديمة بنفي التغاير بينهما إلى أن التعدد فرع التغاير وإذا كان التعدد فرع التغاير فعلم الجواب من لزوم بطلان التوحيد بتعدد الصفات القديمة أيضًا إذ ليست متغايرة بعضها مع بعض كما أنها ليست مغايرة للذات والفاضل المحشي قال: أشار إلخ أي: أشار بقوله فلا يلزم تكثر القدماء وهو خبط؛ إذ ليس في كلا م المصنف قوله: فلا يلزم تكثر القدماء وحمله على قول الشارح مما لا معنى له.
قوله: (ولأن الغرض الأصلي) عطف على قوله: لأن الجواب التام أي: إنما قال أشار لأن المقصود الأصلي بيان حكم الصفات لا الجواب إذ لا مدخل لقوله لا هو في الجواب بل هو يتم بنفي المغايرة.
قوله: (ولك أن تحمل كلام المصنف…إلخ) يعني أن الشارح حمل كلام المصنف على أنه لا يلزم التعدد مطلقًا ولا تكثر القدماء فورد عليه الاعتراض الذي ذكره بقوله: لقائل أن يمنع توقف التعدد على التغاير ولك أن تحمل كلام المصنف أنه لا يلزم قدم غير الله تعالى وإن كان يلزم التعدد ولا محذور في ذلك لعدم منافاته للتوحيد؛ لأن المنافي له تعدد القدماء المتغايرة وهو ليس بلازم فيكون عين ما ذكره الشارح بقوله فالأولى أن يقال المستحيل إلخ ولا يرد السؤال الذي ذكره بقوله ولقائل أن يمنع لأن ذلك السؤال إنما يرد على تقدير نفي التعدد مطلقًا نقل عنه وهذا الحمل موافق لما قاله بعض المحققين أن القديم أعم من الواجب لصدقه على صفات الواجب ولا استحالة في تعدد الصفات القديمة كما قاله الشارح في هذا المقام جوابًا عن المعتزلة. فافهم.
قوله: (و إنما حمل الشارح …إلخ) أي: إنما حمل الشارح كلام المصنف على نفي التعدد دون نفي قدم الغير لأن المشهور بين القوم هو نفي التعدد مطلقًا وفي قول الشارح والأولى دون أن يقول والصواب إشارة إلى ما ذكره المحشي.
قوله: (وأن لزوم الكفر المعلوم كفر أيضًا) يعني كما أن التزام الكفر كفر كذلك لزوم الكفر المعلوم كفر لأن لزوم الشيء مع العلم به التزام.
قوله: (ولذا قال في المواقف…إلخ) فإن تقييده بقوله: ولا يعلم به يدل بالمفهوم المخالف على أنه إن علم به يكفر.
قوله: (ولا شك أن لزوم الذاتية للانتقال من أجلى البديهيات) هذا إنما يتم أن لو قالوا بالانتقال بالمعنى الحقيقي، وأما لو قالوا بالإشراق والتعلق على ما نقل عن بعض النصارى فلا، فالعمدة في تكفيرهم ما ذكره بقوله على أن قوله تعالى: ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ يعني أنهم إنما كفروا لإثبات الآلهة الثلاثة لا لأنهم أثبتوا القدماء الثلاثة، ومعنى إثباتهم الآلهة الثلاثة أنهم سووا الثلاثة في الرتبة واستحقاق العبادة على ما صرح به الشارح في بحث حذف المسند من شرح التلخيص، لا أنهم يثبتون وجوب وجود لكل من الثلاثة، كيف وقد صرح في إلهيات المواقف أنه لا مخالف في مسألة توحيد واجب الجود إلا الثنويه دون الوثنية أي النصارى؟ فما ذكره المحشي كانوا يقولون بآلهة وذوات ثلاثة محل بحث إذ الاشتراك في الألوهية بمعنى استحقاق العبادة لا يدل على كونها ذوات مع أنه لا حاجة إليه، إذ القول بتعدد المعبود كاف في تكفيرهم، فالصواب ترك قوله: وذوات، نقل عنه: قال الإمام الرازي: فسر المتكلمون قول النصارى ثالث ثلاثة بأنهم يقولون بأقنوم الأب وهو الذات وأقنوم الابن وهو العلم وأقنوم الروح وهو الحياة، وهذا الجواب مبني على هذا التفسير. انتهى كلامه. يعني الجواب المذكور بقوله: وجوابه إلخ مبني على هذا التفسير، وأما لو فسر قول النصارى: إن الله ثالث ثلاثة بأن الله ثالث الآلهة الثلاثة الله والمسيح ومريم ويشهد له قوله تعالى: ﱡﭐ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ فوجه تكفيرهم ظاهر لا سترة عليه لقولهم بذوات ثلاثة.
قوله: (وأيضًا ترتب…إلخ) يعني أن ترتب الحكم على المشتق يدل على أن مأخذ اشتقاقه علة لذلك الحكم كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ فإن ترتب حكم القطع على السارق والسارقة يدل على علة القطع السرقة، فكذلك فيما نحن فيه ترتب الحكم بالكفر على ماقالوا: إن الله ثالث ثلاثة يدل على أن علة كفرهم هو القول بأنه ثالث ثلاثة، فإن كان علة الحكم منحصرًا في التزامه تعين التزام الكفر منهم لأنهم محكوم عليهم بالكفر.
قوله: (وعبارة الشارح تشير إلى الأول) أي أن لزوم الكفر المعلوم كفر حيث قال: لكن لزمهم ذلك.
قوله: (وبالأقنوم…إلخ) الأقنوم الأصل قال الجوهري: أحسبها أنها رومية، وقيل: إنها يونانية، وكأنهم سموا الأمور الثلاثة أصولًا لأنها صفات منوط بها نظام العالم ووجوده، أو لأنها أصول الألوهية.
قوله: (وقد يوجه بأنه ميل…إلخ) قال في شرح المقاصد: واقتصارهم على العلم والحياة دون القدرة والسمع والبصر وغيرها جهالة أخرى، وكأنهم يجعلون القدرة راجعة إلى الحياة والسمع والبصر إلى العلم انتهى. ووجه رجوع القدرة إلى الحياة أن الحياة عبارة عن صحة العلم والقدرة لكن تخصيص الرجوع بالقدرة دون العلم جهالة أخرى، والأولى أن يقال: كأنه ميل منهم إلى نفي ما سوى العلم والحياة.
قوله: (لكن لا يلائمه قولهم بالقدماء…إلخ) وكذا لا يلائمه انتقال أقنوم العلم إلى عيسى لأنه إذا كان عين الذات لا معنى لانتقاله.
قوله: (إذ لو قطع النظر عن الاتحاد فأربعة) أعني الذات والوجود والعلم والحياة، وإن نظر إلى اتحادها في الخارج فواحد وهو الذات، يمكن أن يقال: قولهم بالقدماء الثلاثة باعتبار قطع النظر عن عن الاتحاد لكن ذات الواجب عندهم نفس الوجود، ولذا عبر في بعض الكتب عن أقنوم الأب بالذات، قال القاضي في تفسيره: ويريدون بالأب الذات وبالابن العلم وبروح القدس الحياة.
قوله: (العدد هو الكم المنفصل…إلخ) الكم هو العرض الذي يمكن لذاته أن يفرض فيه شيء غير شيء، فإن كان بين أجزائه حد مشترك أي ذو وضع يكون بداية لأحدهما ونهاية للآخر كالنقطة بين الخطين والخط بين السطحين والسطح بين الجسمين فهو متصل، وإن لم يكن بين أجزائه حد فهو منفصل وهو العدد، مثلًا إذا قسمت العشرة إلى ستة وأربعة كان انتهاء الستة من العشرة إلى السادس وابتداء الأربعة من السابع لا من السادس، ولا شك أنه لا انفصال بهذا المعنى في الواحد، فلا يكون عددًا داخلًا فيه، بل ليس كما أن الوحدة تقتضي اللا قسمة، ولهذا قالوا: إنه من قبيل الكيف على أنه يمكن منع كونه عرضًا لأنه من الأمور الاعتبارية عند المحققين.
قوله: (ولذا فسروه) أي ولأجل أن الواحد ليس بكم منفصل والعدد هو الكم المنفصل فسروا العدد بما هو نصف مجموع حاشيته أي جانبيه أحدهما جانب فوقه والآخر جانب تحته، فالواحد ليس بعدد إذ ليس له جانب تحته والاثنان عدد لأنه نصف الأربعة التي هي مجموع جانبيه أعني الواحد والثلاثة قس على ذلك.
قوله: (فكلام الشارح…إلخ) أي جعله الواحد من مراتب العدد إما مبني على هذا المذهب أو مبني على التغليب يعني أطلق اسم المراتب التي هي مراتب ما بعد الواحد على ما يشمله تغليبًا للأكثر على الأقل.
قوله: (يرد عليه) أي يرد على جعل الشارح بعض المراتب جزءًا من البعض أنهم اتفقوا على أن جميع مراتب الأعداد أنواع متخالفة بالماهية مركبة من وحدات مبلغها تلك المرتبة مثلا العشرة عشر وحدات لا خمستان ولا ستة وأربعة ولا سبعة وثلاثة إلى غير ذلك لإمكان تصور العشرة بكنهها مع الغفلة عن هذه الأعداد، فإنك إذا تصورت حقيقة كل واحد من وحداتها من غير شعور بخصوصيات الأعداد المندرجة تحتها فقد تصورت حقيقة العشرة بلا شبهة، وربما يستدل بأن تركب العشرة من الاثنين والثمانية ليس بأولى من تركبها من الثلاثة والسبعة، فإن تركبت عن بعضها لزم الترجيح بلا مرجح، وإن تركبت عن الكل لزم استغناء الشيء عما هو ذاتي له لأن كل واحد منها كاف في تقويمها فيستغني عما عداها، أجاب بعض الفضلاء بأن المراد بالجزء ما هو في حكم الجزء في عدم الانفكاك لكنه عبر عنه بالجزء مبالغة وترويجًا أو هو من قبيل أجزاء الكلام على متفاهم العرف.
قال الباجوري:
قوله: (أشار إلى الجواب بقوله…إلخ) لأن الجواب التام إنما يحصل بنفي المغايرة بين الذات والصفات، وبين الصفات بعضها مع بعض، وحاصله: أنه لا يلزم ما ذُكر إلا لو كان الصفات غير الذات، وكان بعض الصفات مغايرا لبعض، والمصنف اقتصر على الأول وهو نفي المغايرة بين الذات والصفات، لكنه أشار إلى أن التعدد فرع التغاير، فمتى انتفى التغاير انتفى التعدد، وبه يعلم الجواب بالنسبة إلى الصفات أيضا؛ إذ ليست متغايرة بعضها مع بعض، وأيضا لم يقل الشارح “أجاب بقوله…إلخ”؛ لأن الغرض الأصلي هنا بيان حكم الصفات من أنها ليست عينا ولا غيرا، لا الجواب عما تمسكت به المعتزلة؛ ولذا ذكر المصنف قوله “لا هو” وإلا فلا مدخل له في الجواب؛ لأنه يتم بنفي المغايرة، وأما نفي العينية فأمر زائد عليه.
قوله: (وهي لا هو ولا غيره) أي: لأنه يلزم على العينية اتحاد الذات والصفة، وعلى الغيرية بمعنى جواز الانفكاك، كما سيأتي كون الصفات قائمة بنفسها وكل من اللازمين محال.
وقوله: (يعني أن صفات الله تعالى ليست عين الذات ولا غير الذات) تفسير لقول المصنف “وهي لا هو ولا غيره”، وإنما أتى بالعناية لزيادة التوضيح.
قوله: (فلا يلزم قدم الغير ولا تكثر القدماء) تفريع على قوله “ولا غير الذات” وقد حمل الشارح كلام المصنف على أنه لا يلزم قدم غير الله ولا تكثر القدماء، فيقتضي أن التعدد والتكثر يتوقف على التغاير، حيث رتب على نفي الغيرية نفي التكثر، فورد عليه السؤال الذي ذكره بقوله: “ولقائل أن يمنع توقف التعدد والتكثر على التغايرإلخ” ولك أن تحمل كلام المصنف على أنه لا يلزم قدم الغير فقط، وحينئذ فلا محذور في إثبات الصفات؛ لأن المحذور تعدد القدماء المتغايرة، وهو غير لازم لإثبات الصفات، لا مطلق التعدد الشامل لتعدد القدماء التي ليست متغايرة، اللازم لإثبات الصفات، وحينئذ فلا يرد السؤال المذكور قطعا. وأما حمل الشارح كلام المصنف على ما ذكره من نفي لزوم قدم الغير ونفي لزوم تكثر القدماء؛ لشهرته فيما بين القوم وإن كان يرد عليه السؤال الآتي.
قوله: (والنصارى وإن لم يصرحوا…إلخ) جواب عما يقال حيث كان المحذور إنما هو قدم غير الله؛ أعني: المنفك، فلم كفرت النصارى بإثبات ثلاثة من القدماء؟ مع أنهم لم يصرحوا بالقدماء المتغايرة أي: المنفكة.
وقوله: (لكن لزمهم ذلك) أي: لكن لزمهم القدماء المتغايرة فكفروا للزوم ذلك لهم، واعترض عليه بأن اللزوم غير الالتزام ولا كفر إلا بالتزام؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهب. وأجيب بأن لزوم الكفر، إذا كان معلوما، كفرا أيضا كالالتزام، بخلاف ما إذا لم يكن معلوما؛ ولذلك قال في المواقف: من يلزمه الكفر ولا يعلم به فليس بكافر. أ.ه. فنبه بقوله “ولا يعلم به” على أنه إن علم به يكون كافرا؛ لأن لزوم الشيء مع العلم به التزام حكما، ولزوم الكفر هنا معلوم؛ إذ لا شك أن لزوم الذاتية للانتقال من أجلى البديهيات، وقد قالوا بانتقال الأقانيم، ولا ينتقل بالبداهة إلا الذات، فلزمهم القدماء المتغايرة لزوما معلوما على أن قوله تعالى: ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ بعد قوله تعالى:ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ شاهد صدق على أنهم كانوا يقولون بآلهة وذوات ثلاثة، لا بإثبات ثلاثة من القدماء فقط، فيكون كفرهم بالتزامهم، وأيضا ترتيب الحكم وهو الكفر في هذه الآية على المشتق وهو “قالوا” يدل على علية المأخذ وهو القول، فيقتضي أن علة كفرهم قولهم بأن الله ثالث ثلاثة، فإن انحصرت علة الكفر في الالتزام دون اللزوم تعين أنهم ملتزمون؛ لأن الله حكم بكفرهم، فيعلم منه أنهم ملتزمون وإلا لما حكم عليهم بالكفر، لكن عبارة الشارح؛ أعني: قوله لكن لزمهم ذلك، إنما تشير إلى الجواب الأول وهو أن لزوم الكفر إذا كان معلوما كفرا أيضا، فتكون علة الكفر ليست منحصرة في الالتزام.
قوله: (لأنهم أثبتو…إلخ) بيان للزومهم ذلك،
وقولهم: (الأقانيم الثلاثة) أي: الأصول الثلاثة؛ لأن الأقانيم جمع أقنوم، بضم الهمزة، لفظ رومي معناه الأصل، وكأنهم إنما سموا الثلاثة الآتية بذلك لأنها أصول الألوهية.
وقوله: (التي هي الوجود والعلم والحياة) في بعض الكتب التعبير بالذات بدل الوجود.
وقوله: (وسموها الأب والابن وروح القدس) فعبروا عن الوجود بالأب؛ لأنهم يقولون بأنه نشأ عنه عيسى، وعن العلم بالابن؛ لأنهم يقولون باتحاده مع عيسى، وعن الحياة بروح القدس، ومن غاية جهلهم أن جعلوا الذات الواحدة نفس ثلاث صفات، وقالوا الله تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم، وأرادوا بالجوهر القائم بنفسه، وبالأقنوم الصفة التي لا تقوم إلا بغيرها. وقد يوجه بأن جعلهم الذات نفس الصفات المذكورة ميل منهم إلى أن الصفات نفس الذات، كما ذهب إليه المعتزلة، لكن لا يلائمه قولهم بالقدماء الثلاث؛ لأنه إن قطع النظر عن اتحادها مع الذات فأربعة: الذات والوجود والعلم والحياة، وإن نظر لاتحادها مع الذات فواحد وهو الذات ولهم اختيار الشق، ولكن ذات الواجب عندهم نفس الوجود لا شيء أخر حتى تكون القدماء الأربعة.
قوله: (وزعموا أن أقنوم العلم قد انتقل إلى بدن عيسى) أي: زعموا أن الأقنوم الذي هو العلم قد انتقل إلى بدن عيسى، فإضافة أقنوم للعلم من الإضافة التي للبيان،
وقوله: (فجوزوا الانفكاك والانتقال) أي: فجوزوا انفكاك الأقانيم الثلاثة عن الذات. أما أقنوم العلم فظاهر؛ لأنهم قالوا بانفكاكه وانتقاله. وأما أقنوم الوجود وأقنوم الحياة؛ فلأن تجويز الانفكاك والانتقال على أقنوم العلم يشهد بتجويز الانفكاك والانتقال على أقنوم الوجود وأقنوم الحياة.
وقوله: (فكانت ذوات متغايرة) لأنه لا ينفك ولا ينتقل إلا الذوات.
قوله: (ولقائل أن يمنع…إلخ) أي: بأن يقول لا نسلم توقف التعدد والتكاثر على التغاير بمعنى جواز الانفكاك، كما اقتضاه تعريفكم عدم لزوم قدم الغير، وعدم تكثر القدماء على عدم الغيرية، وهذا بحث من طرف المعتزلة، وحاصله: رد الجواب الذي ذكره المصنف عن أهل الحق؛ لأنه مبني على توقف التعدد والتكثر على التغاير، بمعنى جواز الانفكاك وهو ممنوع.
قوله: (للقطع بأن مراتب الأعداد من الواحد…إلخ) هذا سند للمنع وفيه تصريح بأن الواحد من مراتب الأعداد، مع أن العدد هو الكم المنفصل ولا انفصال في الواحد، بل ليس كمّا؛ إذ الوحدة تقتضي اللاقسمة، فلا يكون عددا؛ ولهذا فسروا العدد بما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين فالأربعة مثلا عدد؛ لأنها ساوت نصف مجموع حاشيتهما القريبتين، وهما الثلاثة والخمسة، أو البعيدتين وهم الاثنان والستة ومجموعها ثمانية ونصفها أربعة فخرج من ذلك الواحد؛ لأن ليس له حاشية سفلى وإنما له حاشية عليا فقط، ومنهم من فسر العدد بأنه ما يقع في العد، وإن لم يكن كمّا منفصلا، فيكون العدد أعم من الكم المنفصل لصدقه بالواحد. وكلام الشارح إما مبنى على هذا المذهب، أو مبني على تغليب ما بعد الواحد الذي هو من مراتب الأعداد على الواحد الذي ليس من مراتب الأعداد.
قوله: (إلى غير ذلك) أي: وانته إلى غير ذلك من مراتب الأعداد: كالأربعة والخمسة والستة.
قوله: (مع أن البعض جزء من المبعض) أي: مع أن بعضها كالاثنين جزء من بعضها الآخر كالأربعة، وأورد أنهم اتفقوا على أن جميع مراتب الأعداد لا تتألف إلا من وحدات مبلغها تلك المرتبة، لا من الأعداد المندرجة تحتها، فالعشرة مثلا أجزاؤها عشر وحدات لا خمستان ولا ستة وأربعة إلى غير ذلك من الاحتمالات، وأجيب بأن المراد بالجزء ما هو في حكم الجزء من حيث عدم الانفكاك، فكما أن الوحدات لا تنفك عن العشرة مثلا، لا تنفك الخمستان مثلا عنها.
وقوله: (والجزء لا يغاير الكل) أي: بمعنى أنه لا ينفك عنه فقد وجد التعدد والتكثر بدون التغاير بمعنى جواز الانفكاك، وحينئذ فليس التعدد والتكثر متوقفين على التغاير بالمعنى المذكور.
قال الشارح: وأيضاً لا يتصور نزاع من أهل السنة والجماعة في كثرة الصفات وتعددها متغايرة كانت أو غير متغايرة، فالأولى أن يقال: المستحيل تعدد ذوات قديمة لا ذات وصفات، وأن لا يجترأ على القول بكون الصفات واجبة الوجود لذاتها، بل يقال: هي واجبة لا لغيرها بل لما ليس عينها ولا غيرها؛ أعني: ذات الله تعالى وتقدس، ويكون هذا مراد من قال: الواجب الوجود لذاته هو الله تعالى وصفاته، يعني أنها واجبة لذات الواجب تعالى،
قال الخيالي:
قوله: (فالأولى أن يقال) وقد يجاب أيضا بأن القديم هو الأزلى القائم بنفسه ولو سلم فالكفر تعدد القدماء بالذات لا المطلقة ولا يخفى أنه لا يوافق مذهب المتكلمين.
قال السيالكوتي:
قوله: (وقد يجاب أيضًا بأن القديم…إلخ) يعني منع الملازمة أي لا نسلم لزوم تعدد القدماء لأن القديم أزلي قائم بنفسه غير محتاج إلى شيء، والصفات غير قائمة بذواتها لاحتياجها إلى الذات، فلا تكون قديمة وإن كانت أزلية، والمراد بالأزلي ما لا ابتداء لوجوده دون المعنى الأعم ما لا ابتداء له أصلًا.
قوله: (ولو سلم) منع لبطلان اللازم أي ولو سلم أن القديم ما لا ابتداء لوجوده سواء كان قائمًا بنفسه أو لا فلا نسلم استحالته، فإن المستحيل تعدد القدماء بالقدم الذاتي وهو عدم احتياج إلى الغير لاستلزامه تعدد الواجب بالذات، وهو مناف للتوحيد دون القدماء لمطلقة الشاملة للقدم الذاتي والزماني المفسر بما لا يكون مسبوقا بالعدم لعدم استلزامه تعدد الواجب لذاته.
قوله: (ولا يخفى أنه لا يوافق مذهب المتكلمين) لأن القول بالقدم الذاتي والزماني من مخترعات الفلاسفة المتفرع على كونه تعالى موجبًا بالذات.
قال الباجوري:
قوله: (وأيضا لا يتصور نزاع من أهل السنة…إلخ) أشار بذلك إلى سند آخر للمنع السابق، وحاصله: أنه لا يتأتى النزاع من أهل السنة في كثرة الصفات وتعددها، سواء كانت متغايرة مع الذاتي في المفهوم كما هو المعهود في معنى المغايرة، أو كانت غير متغايرة مع الذات بناء على ما ذهب أهل السنة من تفسير المغايرة بعدم الانفكاك، فعلى أي حالة هي متعددة متكثرة، وحينئذ فليس التعدد والتكثر متوقفين على التغاير بالمعنى المذكور.
قوله: (فالأولى أن يقال..إلخ) أي: لأنه لا يرد عليه ما ورد على جواب المصنف ولظهوره في نفسه. ومحصله: أنه وإن لزم من ثبوت الصفات تعدد القدماء، لكن تعدد القدماء ليس مستحيلا مطلقا، بل المستحيل تعدد ذوات قديمة لا ذات وصفات. وقد أجيب أيضا بأنه لا يلزم من ثبوت الصفات تعدد القدماء؛ لأن القديم هو الأزلي القائم بنفسه؛ وحينئذ فلا يقال للصفات قدما لعدم قيامها بنفسها، وإن كان يقال لها أزلية ولا يلزم من كونها أزلية أن تكون قديمة؛ لأن القديم أخص من الأزلي إذ المراد بالقديم على هذا الجواب ما ذكر، وبالأزلي ما لا ابتداء لوجوده سواء كان قائما بنفسه أو لا، ولو سلم أنه يلزم من ثبوت الصفات تعدد القدماء، فلا يلزم الكفر إلا لو لزم تعدد القدماء بالقدم الذاتي، وهو عدم الاحتياج إلى الغير، لا القدماء المطلقة الشاملة للقديم بالقدم الذاتي المفسر بما ذكر للقديم بالقدم الزماني المفسر بعدم المسبوقية بالعدم؛ لعدم استلزامه تعدد الواجب لذاته على طريقة العضد ومن تبعه من أن الصفات واجبة لغيرها، ولا يخفى أن هذا لا يوافق مذهب المتكلمين؛ لأنهم لا يقولون بالقدم الذاتي والقدم الزماني، وإنما يوافق مذهب الفلاسفة؛ لأنهم يقولون بذلك.
قوله: (وأن لا يجترأ على القول..إلخ) ويجترأ بالبناء للمجهول من الجراءة وهذا مبني على ما ذهب إليه العضد ومن تبعه من إمكان الصفات، والحق خلافه.
وقوله: (بكون الصفات واجبة الوجود لذاتها) أي: يكون كل منها واجب الوجود لذاته،
وقوله: (بل يقال هي واجبة لا لغيرها) أي: لأن الواجب لغيره حادث كذات زيد التي تعلق علم الله بوجودها.
وقوله: (بل لما ليس عينها ولا غيرها) أي: بل لشيء ليس عينها؛ لأن المفهوم من الذات ليس عين المفهوم من الصفات ولا غيرها لعدم جواز انفكاك أحدهما عن الآخر.
وقوله: (أعني ذات الله تعالى وتقدس) أي: أقصد بما ليس عينها ولا غيرها ذات الله، “تعالى” أي: تنزه عما لا يليق به و”تقدس” أي: تطهر. قوله: (ويكون هذا مراد من قال…إلخ) أي: ويكون القول بكون الصفات الواجبة لما ليس عينها ولا غيرها مراد من قال من المشايخ كالحميدي الواجب الوجود لذاته وهو الله تعالى.
وقوله: (يعني أنها واجبة لذات الواجب) أي: يقصد من قال ما ذكر أن الصفات الواجبة لذاته تعالى فيكون الضمير في قوله “الواجب لذاته” عائدا على الله، وهذا التأويل مما لا يرضى به إلا متعسف، فإن الظاهر أن الضمير في ذلك عائد للموصول وهو “ال” في الواجب.
قال الشارح: وأما في نفسها فهي ممكنة، ولا استحالة في قدم الممكن إذا كان قائماً بذات القديم واجباً له غير منفصل عنه، فليس كل قديم إلهاً حتى يلزم من وجود القدماء وجود الآلهة، لكن ينبغي أن يقال: الله تعالى قديم بصفاته ولا يطلق القول بالقدماء لئلا يذهب الوهم إلى أن كلاً منها قائم بذاته موصوف بصفات الألوهية. ولصعوبة هذا المقام ذهبت المعتزلة والفلاسفة إلى نفي الصفات، والكرامية إلى نفي قدمها، والأشاعرة إلى نفي غيريتها وعينيتها.
قال الخيالي:
قوله: (وأما في نفسها فهي ممكنة) قد سبق ما فيه من أنه يخالف ما اشتهر بينهم من أن كل ممكن محدث أي: مسبوق بالعدم.
قوله: (و الكرامية إلى نفي قدمها) يرد عليه أنهم قالوا بقدم المشيئة والكلام وفسروه بالقدرة على التكلم فالتفريع المذكور غير ظاهر.
قال السيالكوتي:
قوله: (قد سبق ما فيه) أي قد سبق في الشرح أن القول بإمكان الصفات ينافي قولهم: إن كل ممكن حادث بمعنى أنه مسبوق بالعدم ولا يخفى عليك أن القول بمخالفة هذه الكلية أهون من القول بعدم إمكانها لأنه يستلزم تعدد الواجب لذاته بخلاف انتقاض تلك الكلية، ولذا خصصه المحققون بأن كل ممكن مسبوق بالقصد والاخيتار فهو حادث، وفي عبارة الشارح إشعار بذلك حيث قال: ولا استحالة في قدم الممكن إلخ.
قوله: (بقدم المشيئة) قالوا: إن المشيئة صفة واحدة أزلية يتناول جميع ما شاء الله تعالى لها من حيث إنها تحدث، والإرادة حادثة متعددة بتعدد المراد كذا في شرح المقاصد.
قوله: (وفسروه بالقدرة على التكلم) قالوا: التكلم المنتظم من الحروف المسموعة حادث ومع حدوثه قائم بذات الله تعالى، وأنه قول الله لا كلامه تعالى وإنما كلامه قدرته على التكلم، وهو قديم، وقوله حادث غير محدث، وفرقوا بينهما بأن كل ما له ابتداء إن كان قائمًا بذاته فهو حادث بالقدرة غير محدث وإن كان مباينًا للذات فهو محدث بقوله: كن لابالقدرة كذا في شرح المقاصد.
قوله: (فالتفريع المذكور…إلخ) أي المذكور بقوله: ولصعوبة هذا المقام ذهب الكرامية إلى نفي قدم الصفات غير ظاهر، إذ لو كان ذهابهم إلى نفي القدم لصعوبة المقام لوجب نفي قدم الصفات مطلقا لأن الصعوبة في إثبات البعض أيضًا باق، فعلم أن نفيهم قدمها ليس لصعوبة هذا المقام بل لأمر آخر، وللفاضل المحشي والجلبي في تصحيح التفريع كلام لا ترضى بسماعه الآذان الكريمة.
قال الباجوري:
قوله: (وأما في نفسها فهي ممكنة) اعترض بأنه قد سبق أن يخالف ما اشتهر بينهم من أن كل ممكن محدث، أي: مسبوق بالعدم؛ لأن الغرض أن الصفات قديمة، وأجيب بأن مخالفة هذه الكلية أهون مما يلزم القول بعدم إمكانها من تعدد الواجب لذاته.
قوله: (ولا استحالة في قدم الممكن إذا كان…إلخ) جواب عما يقال كيف تكون الصفات ممكنة مع كونها قديمة والممكن يستحيل قدمه، وحاصل الجواب: أن محل استحالة قدم الممكن إذا لم يكن قائما بذات القديم واجبا له غير منفصل عنه، وأما إذا كان كذلك فلا استحالة في قدمه؛ لأنه يلزم من قدم ذلك القديم قدم الممكن المذكور.
وقوله: (فليس كل قديم إلها) أي: لأن الإله هو القديم القائم بغيره، فاندفع ما أورد أن كل قديم إله.
وقوله: (حتى يلزم…إلخ) غاية للمنفي فيكون منفيا أيضا.
قوله: (لكن ينبغي أن يقال…إلخ) أي: للتحاشي عما يوهم المحذور.
وقوله: (ولا يطلق القول بالقدماء) أي: كأن يقال القدماء كثيرة أو نحو ذلك مما يقتضي تعدد القدماء.
وقوله: (لئلا يذهب إلى أن كلا منها قائم بذاته موصوف بصفات الألوهية) أي: لئلا يذهب الوهم عند إطلاق القول بالقدماء إلى أن كلا من هذه القدماء قائم بذاته موصوف بصفات الألوهية من الوجوب الذاتي والقيومية ونحوهما.
قوله: (ولصعوبة هذا المقام…إلخ) أي: ولصعوبة مقام إثبات الصفات…إلخ، ووجه الصعوبة مختلف بحسب الفرق المذكورة، فوجه الصعوبة عند المعتزلة: أنه يلزم على إثبات الصفات تعدد القدماء وهو باطل؛ فلذلك ذهبوا إلى نفيها، وقد علمت جوابه مما سبق. ووجه الصعوبة عند الفلاسفة: أنه يلزم على إثبات الصفات أن يكون الواحد فاعلا لشيء وقابلا له لاستناد وجودها إلى الذات مع قبولها لها وهو باطل عندهم؛ ولذلك ذهبوا في نفيها أيضا، وجوابه: منع بطلان القبول والفعل. ووجه الصعوبة عند الكرامية: أن بعض الصفات لا يعقل بدون متعلقاته كالسمع بدون المسموع والبصر بدون المبصر والكلام بدون المخاطب؛ فلذلك ذهبوا إلى نفي قدمها، وجوزوا أن يكون المولى محلا للحوادث، وجوابه: أن تلك الصفات تعقل بدون المتعلقات. نعم تعلقات تلك الصفات لا تعقل بدون المتعلقات. ووجه الصعوبة عند الأشاعرة: أنه يلزم على مغايرة الصفات للذات تعدد الواجب لذاته والقديم وهو مناف للتوحيد؛ فلذلك ذهبوا إلى نفي عينيتها وغيريتها.
قوله: (والكرامية إلى نفي قدمها) أي: وذهبت الكرامية إلى نفي قدم الصفات وأورد عليهم أنهم قالوا بقدم المشيئة، وهي عندهم صفة أزلية تتناول جميع ما شاء الله، وقدم الكلام وفسروه بالقدرة على التكلم، فالتفريع المذكور غير ظاهر، وأجيب: بأن كلامه على حذف مضاف، أي: إلى نفي قدم بعضها، كما يؤخذ من كلاهم.
قوله: (والأشاعرة إلى نفي غيريتها وعينيتها) أي: وذهبت الأشاعرة إلى نفي غيرية الصفات الحقيقية وعينيتها، فالضمير إنما هو للصفات الحقيقية لا لمطلق الصفات.
إلى هنا انتهى كلام المؤلف على شرح العقائد النسفية، رحم الله مؤلفها وغفر لنا وله والمسلمين، ورضي عن من يكملها، وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال الشارح: فإن قيل: هذا النفي في الظاهر رفع للنقيضين، وفي الحقيقة جمع بينهما، لأن نفي الغيرية صريحاً مثلاً إثبات العينية ضمناً، وإثباتها مع نفي العينية صريحاً جمع بين النقيضين، وكذا نفي العينية صريحاً جمع بينهما، لأن المفهوم من الشيء إن لم يكن هو المفهوم من الآخر فهو غيره، وإلا فهو عينه، ولا يتصور بينهما واسطة. قلنا: قد فسروا الغيرية بكون الموجودين بحيث يقدّر ويتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر، أي: يمكن الانفكاك بينهما، والعينية باتحاد المفهوم بلا تفاوت أصلاً، فلا يكونان نقيضين، بل يتصور بينهما واسطة بأن يكون بين الشيء بحيث لا يكون مفهومه مفهوم الآخر، ولا يوجد بدونه كالجزء مع الكل والصفة مع الذات وبعض الصفات مع البعض.
قال الخيالي:
قوله: (قد فسروا الغيرية بكون الوجودين…إلخ) قالوا يقال في العرف واللغة ما في الدار غير زيد مع أنه ذو يد وقدرة وأجيب بأن المراد بالغير
ههنا فرد آخر من نوعه وإلا لزم أن لا يغايره ثوبه.
قوله: (أي يمكن الانفاك بينهما) سواء كان بحسب الوجود أو بحسب الحيز فلا نقص بالجسمين القديمين كذا قيل لكن يرد الإلهان المفروضان نقضا فليتأمل.
قال السيالكوتي:
قوله: (قالوا…إلخ) أي بينوا صحة التفسير المذكور بأنه مأخوذ من العرف واللغة لأنك إذا قلت: ما في الدار غير زيد فقد صدقت إذا لم يكن فيها شخص آخر مع أنه ذو يد وقدرة، فلو كان الجزء غير الكل والصفة غير الموصوف لكنت كاذبًا، وحاصل الجواب أن المراد بالغير في قولنا غير زيد غيره من أفراد الإنسان، وإلا لزم أن لا يغاير زيد ثوبه وأمتعة الدار وهو باطل قطعًا.
قوله: (سواء كان بحسب الوجود…إلخ) إشارة إلى بيان وجه تفسير الشارح قوله: بحيث يتصور وجود أحدهما إلخ. بقوله أي يمكن الانفكاك بينهما يعني إنما فسره به إشارة إلى أن إمكان الانفكاك أعم من أن يكون بحسب الوجود بأن يتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر من اختصاص إمكان الانفكاك بحسب الوجود.
قوله: (فلا يرد النقض…إلخ) لأنه وإن لم يمكن الانفكاك بينهما بحسب الوجود لكونهما قديمين والعدم ينافي القدم على ما مر لكنه يمكن الانفكاك بينهما بحسب الحيز ضرورة أنهما لو وجدا لكانا متحيزين بحيزين، قال بعض الفضلاء: هذا النقض إنما يرد لو أريد بالإمكان الإمكان الوقوعي دون الذاتي، إذ العدم ينافي الإمكان الوقوعي لا الذاتي انتهى كلامه، أقول لو أريد بالإمكان الإمكان الذاتي لزم أن يكون الصفات غير الذات لأنه يمكن أن يتصور وجود الذات مع عدمها بالإمكان الذاتي لكونها ممكنة على ما هو الحق ولو أريد بالإمكان إمكان الانفكاك من الجانبين لزم المغايرة بين الصفات بعضها مع بعض لإمكان وجود بعضها بدون بعض آخر بحسب الذات مع قطع النظر عن العلة.
قوله: (لكن يرد الإلهان المفروضان) وكذا المجردان المفروضان كالعقول والنفوس اللتين أثبتهما الفلاسفة لأنه لا يمكن الانفكاك بينهما في الوجود لكونهما قديمين ولا في الحيز لعدم تحيزهما.
قوله: (فليتأمل) وجه التأمل أن المراد بالانفكاك الانفكاك بحسب الوجود والنقصان المذكوران مندفعان لعدم تحققهما، ومادة النقض تجب أن تكون متحققة لأن الناقض مدع لا بد له من إثبات مادة النقض، ولا يكفيه مجرد فرض الإله، وما قاله الفاضل المحشي من أن النقض إنما يرد بالممكن لا بالممتنع ولا شك أن تعدد الإله ممتنع، فلا يرد النقض بالإلهين المفروضين بخلاف الجسمين القديمين، فإنهما ممكنان نظرًا إلى ذاتهما، فليس بشيء لأنه على تقدير تسليم كفاية إمكان مادة النقض لا فرق في الإلهين والجسمين القديمين في أن وجود كل منهما ممتنع بالنظر إلى الدليل عند المتكلمين وممكن بالنظر إلى ذاتيهما مع قطع النظر عما سواهما كما لايخفى.
قال الشارح: فإن ذات الله تعالى وصفاته أزلية، والعدم على الأزلي محال، والواحد من العشرة يستحيل بقاؤه بدونها وبقائها بدونه إذ هو منها، فعدمها عدمه ووجودها وجوده، بخلاف الصفات المحدثة، فإن قيام الذات بدون تلك الصفات المعينة متصور، فيكون غير الذات. كذا ذكره المشايخ، وفيه نظر؛ لأنهم إن أرادوا صحة الانفكاك من الجانبين انتقض بالعالم مع الصانع والعرض مع المحل، إذ لا يتصور وجود العالم مع عدم الصانع لاستحالة عدمه، ولا وجود العرض كالسواد مثلاً بدون المحل، وهو ظاهر مع القطع بالمغايرة اتفاقاً،
قال الخيالي:
قوله: (والعدم على الأزلى…إلخ) لما كان في الانفكاك بحسب الحيز ظاهرا لم يتعرض له وإلا فمجرد عدم الانفكاك بحسب الوجود غير كاف كما عرفت.
قوله: (فعدمها عدمه ووجودها وجوده) هذا تعبير عن الاستلزام بطريق المبالغة وإلا فتخلف الوجودين العدمين ظاهر على أن الاستلزام بين العدمين باطل كما سنذكره.
قوله: (بخلاف الصفة المحدثة) فإنهم قالوا بمغايرة الصفات المحدثة للذات وبهذا يظهر عدم صحة استدلالهم السابق لأن زيدا قد اتصف في الدار بالصفات المحدثة.
قوله: (انتقض بالعالم مع الصانع) قد عرفت أن المراد بالانفكاك ما يعم الانفكاك في الوجود أو في الحيز فلا نقض بالعالم مع الصانع إذ يجوز أن ينفك الصانع في الوجود والعالم في الحيز لاستحالة تحيز الصانع، نعم يرد الإشكال على من قال الغيران ما يمكن انفكاكهما في عدم أو حيز، فإن قلت لعلهم أرادوا بجواز الانفكاك جواز أن لا يكون أحدهما قائما بالآخر أو بمحله ولا متقوما به والعالم غير قائم ولا متقوم به ويجوز أن لا يقوم العرض بالمحل بأن ينعدم مع بقاء محله، قلت مثله مما لا يلتفت إليه في التعريفات وإلا يمكن تعميم كل تعريف بالأخص وتخصيص كل تعريف بالأعم حتى تحصل المساواة وفيه من الفساد ما لا يخفى على أنه يرد عليه التشخيص فإنه على تقدير وجوده غير محله وكذا الأعراض اللازمة.
قال السيالكوتي:
قوله: (لما كان عدم الانفكاك…إلخ) أي إن الشارح لما كان بصدد بيان أن الصفات لا تغاير الذات وجب عليه بيان عدم الانفكاك بينهما بحسب الحيز كما بين عدم الانفكاك بحسب الوجود ليتم البيان إلا أنه تركه لأن عدم الانفكاك بينهما بحسب الحيز كان ظاهرًا ضرورة عدم كونهما متحيزين.
قوله: (وإلا فمجرد…إلخ) أي وإن لم يكن عدم التعرض لكونه ظاهرًا فمجرد عدم الانفكاك بحسب الوجود غير كاف لانتقاضه بالجسمين القديمين على ما عرفت، وقد عرفت أيضًا أن مجرد عدم الانفكاك بحسب الوجود كاف، والنقض المذكور غير وارد، ولذا اكتفى الشارح به.
قوله: (فإنهم قالوا بمغايرة…إلخ) قال الآمدي: ذهب الشيخ الأشعري وعامة الأصحاب إلى أن الصفات منها ماهي عين الموصوف كالوجود، ومنها ما هي غيره وهي كل صفة أمكن مفارقتها عن الموصوف كصفات الأفعال من كونه خالقًا ورازقًا، ومنها ما يقال لاعين ولاغير، وهي ما يمتنع انفكاكه عنه بوجه من الوجوه كالعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات النفسية لله تعالى بناء على أن المتغايرين موجودان يجوز الانفكاك يبينهما بوجه من الوجوه، وعلى هذا فتلك الصفات النفسانية لما امتنع انفكاك بعضها عن بعض لم يقل أن بعضها عين الصفة الأخرى أو غيرها كذا في شرح المواقف، وبما ذكرنا ظهر لك أن ما قال الفاضل المحشي: الظاهر أنهم لم يقولوا بمغايرة الصفات المحدثة لموصوفها كلام لا يعبأ به.
قوله: (وبهذا يظهر…إلخ) أي ومن عدم قولهم بعدم مغايرة الصفات المحدثة ظهر أن استدلالهم السابق أعني أنه يقال في اللغة والعرف: ما في الدار غير زيد مع أنه ذو يد وقدرة ليس بصحيح لأنه يدل على أن الصفة المحدثة أيضا لا تغاير الموصوف، إذ قد اتصف زيد بالصفات المحدثة من القدرة والعلم والحياة والمشيئة وغيرها مع صدق ذلك الكلام.
قوله: (قد عرفت أن المراد…إلخ) يعني قد عرفت في الحاشية السابقة أن تفسير الشارح قوله يمكن أن يقدر ويتصور وجود أحدهما مع عدم الآخر بقوله أي يمكن الانفكاك للإشارة إلى تعميم الانفكاك لا كما يفهم من تخصيصه بالانفكاك في الوجود، فنقول: المراد إمكان الانفكاك من الجانبين ولا نقض بالعالم مع الصانع لأنه يجوز أن ينفك الصانع عن العالم في الوجود إذ يمكن وجوده مع عدم العالم، وينفك العالم عن الصانع في الحيز فإن العالم متحيز في حيزه وليس الصانع متحيزًا فيه لاستحالة التحيز على ذاته تعالى، وكذا لا يرد الإشكال بالعرض مع المحل إذ ينفك المحل عن العرض في الوجود بأن ينعدم العرض مع بقاء المحل وينفك العرض عن المحل في الحيز، فإن حيز العرض هو المحل وحيز المحل مكانه، فما قاله الفاضل الجلبي أن النقض بالعرض مع المحل باق ليس بشيء منشؤه قلة التدبر، *قال بعض الفضلاء: رد هذا الجواب بأن هذا لا يستقيم على ما هو المقرر المحقق عندهم من أن كلمة أو في التعريف للتقسيم دون الترديد، وحاصله أن المراد بأو أن قسمًا من المحدود حداه هذا وقسمًا آخر حده هذا، فالمعنى حينئذ أن قسمًا من المتغايرين حده ما يمكن الانفكاك بينهما من الجانبين في الوجود، وقسمًا منهما ما يمكن الانفكاك من الجانبين في الحيز فيرد الإشكال على ما ارتضاه، أقول: هذا إنما يرد أن لو كان التعميم مستفادًا من كلمة أو، وليس كذلك، كيف وهو غير مذكور في تعريف الشارح بل هو مستفاد من ذكر لفظ الانفكاك في التعريف غير مقيد بقيد في الوجود أو في الحيز حيث قال: أي يمكن الانفكاك بينهما، فالمعنى الغير أن ما يمكن الانفكاك بينهما أي فرد كان من الانفكاك، نعم لا يتم الجواب الذي ذكره المحشي إذا أخذ كلمة أو في التعريف كما قال بعضهم: الغيران ما يمكن الانفكاك بينهما في الوجود أو في الحيز إذ لا يمكن التعميم حينئذ لأن كلمة أو للتقسيم لاللترديد تأمل.
قوله: (نعم يرد الإشكال…إلخ) أي يرد الإشكال بالعالم مع الصانع لو أريد الانفكاك من الجانبين على من قال الغيران ما يمكن انفكاكهما في عدم أو في حيز لعدم إمكان انفكاك الصانع عن العالم في العدم لاستحالة عدمه تعالى، ولا في الحيز أيضًا لامتناع تحيزه وإن كان يمكن انفكاك العالم في العدم والحيز جميعًا.
قوله: (إن قلت لعلهم أرادوا…إلخ) يعني لعل مرادهم بجواز الانفكاك جواز أن لا يكون أحدهما قائمًا بالآخر أو قائما بمحله وأن لا يكون متقومًا وحاصلًا به، فلا يكون الصفات مغايرة للذات لامتناع أن لا تكون الصفات قائمة بذاته تعالى ولا الصفات بعضها مع بعض لعدم جواز أن لا يكون بعضها قائمًا بمحل البعض الآخر ولا الجزء بالنسبة إلى الكل لامتناع أن لا يكون الكل متقوما به، ولا ينتقض بالعالم مع الصانع لأن العالم غير قائم بالصانع ولا بمحله ولا متقوم به لامتناع أن يكون الصانع محلًّا للعالم أو محلًّا لمحله أو جزءًا لشيء، وكذا لا يرد النقض بالعرض بالنسبة إلى المحل لأنه يجوز أن لا يقوم العرض بالمحل بأن ينعدم مع بقاء محله فيكونان غيرين.
قوله: (قلت مثله…إلخ) حاصله أن لفظ إمكان الانفكاك لا يدل على المعنى المذكور، وهل هذا إلا تفسير وتخصيص مأخوذ من خارج لإخراج مواد النقض؟ فعلى هذا يجوز تخصيص كل تعريف أعم وتعميم كل تعريف أخص لأجل تحصيل المساواة، وهو فاسد كما لايخفى.
قوله: (على أنه يرد…إلخ) أي مع كونه مما لا يلتفت إليه غير صحيح في نفسه لأنه يرد عليه التشخص فإنه على تقدير أن يكون موجودًا غير محله مع عدم جواز أن لا يكون محله متقومًا به وكذا الأعراض اللازمة على تقدير وجودها لا يجوز أن لا تكون قائمة بمحلها مع كونها مغايرة له بالاتفاق، وإنما قلنا على تقدير وجودها لأن الأعراض اللازمة غير موجودة عند الشيخ الأشعري ضرورة أن العرض لا يبقى زمانين، وقيل في توجيه قوله على أنه يرد عليه التشخص أن التشخص لا يجوز أن لا يكون قائمًا بمحله مع أنه غير محله بالاتفاق، وفيه أنه حينئذ داخل في الأعراض اللازمة، فلا وجه لإفراده بالذكر هنا، لكن يرد على كلام المحشي أن مادة النقض لا بد أن تكون موجودة وعلى تقدير وجودها لهم أن يقولوا: إن التشخص والأعراض اللازمة لا تكون مغايرة للمتشخص ولمحلها.
قال الشارح: وإن اكتفوا بجانب واحد لزمت المغايرة بين الجزء والكل، وكذا بين الذات والصفة، للقطع بجواز وجود الجزء بدون الكل والذات بدون الصفة. وما ذكروا من استحالة بقاء الواحد بدون العشرة ظاهر الفساد، لا يقال: المراد إمكان تصور وجود كل منهما مع عدم الآخر ولو بالفرض وإن كان محالاً، والعالم قد يتصور موجوداً ثم يطلب بالبرهان ثبوت الصانع بخلاف الجزء مع الكل، فإنه كما يمتنع وجود العشرة بدون الواحد يمتنع وجود الواحد من العشرة بدون العشرة، إذ لو وجد لما كان واحداً من العشرة.
قال الخيالي:
قوله: (وكذا بين الذات والصفة) يرد عليه أنهم صرحوا بأن الكلام في الصفات اللازمة بل القديمة ولا توجد الذات بدونها ومرادهم جواز انفكاك أحدهما عن الآخر بلا مانع أصلا فلا يكفي مجرد الإمكان الذاتي.
قال السيالكوتي:
قوله: (يرد عليه أنهم صرحوا بأن الكلام…إلخ) يعني أنه لا يجوز وجود الذات بدون الصفة لأنهم صرحوا بأن الكلام بعدم المغايرة إنما هو في الصفات اللازمة على ما صرح به فيما سبق من نقل الآمدى بل القديمة على ما ذكره الشارح، وهذا الإضراب إنما هو باعتبار كون القديمة أخص من اللازمة من حيث المفهوم وإلا فمن حيث الصدق متلازمتان ضرورة أنه لازم سوى صفات الواجب بناء على تجدد الأعراض، ولايوجد الذات بدونها لأنها للزومها وقدمها يمتنع انفكاكها عن الذات، قال بعض الفضلاء: إن المراد بالصفات الصفات المحدثة، ولعل هذا على ما هو المشهور من مذهب الشيخ من أن كل صفة ل اتغاير الموصوف كالجزء مع الكل انتهى كلامه، فيه أن الشارح قد صرح في صدر الدرس بأن الكلام في الصفات القديمة حيث قال: بخلاف الصفات المحدثة، فالمناسب أن يورد الاعتراض موافقًا لما قرره أولًا على أن ما ذكره من عدم مغايرة الصفات المحدثة لم ينقل الشيخ الأشعري وإن كان الدليل يقتضيه، كيف وهو مخالف لما تقرر عنده من تجدد الأعراض إذ يتحقق حينئذ الانفكاك من جانب الموصوف بحسب الوجود ومن جانب الصفات بحسب الحيز.
قوله: (ومرادهم…إلخ) جواب سؤال تقريره أن انفكاك الصفات اللازمة بل القديمة عن الذات ممكن بالقياس إلى ذاتها وأن منع لزومها وقدمها عن الانفكاك والامتناع بالغير لاينافي الإمكان الذاتي، وحاصل الدفع أن المراد بامكان الانفكاك جواز انفكاك أحدهما عن الآخر بلا مانع عن وقوع ذلك الانفكاك، أعني الإمكان الوقوعي وهو ههنا منتف لأن اللزوم والقدم مانع عن وقوعه، فلا يكفي مجرد الإمكان بحسب الذات نقل عنه، أقول: إن لم يكن مجرد الإمكان كافيًا في التغاير لزم أن لا يكون الذات مغايرًا للعرض اللازم، وأقول في جوابه: إن المراد بالانفكاك كما عرفت أعم سواء كان بحسب الوجود أو بحسب الحيز فافهم انتهى كلامه يعني أن العرض اللازم مغاير للمحل لتحقق الانفكاك بينهما من جانب واحد في الحيز لأن حيز المحل مغاير لحيز العرض كما لا يخفى.
قال الشارح: والحاصل أن وصف الإضافة معتبر وامتناع الانفكاك ظاهر، لأنا نقول: قد صرحوا بعدم المغايرة بين الصفات بناء على أنها لا يتصور عدمها لكونها أزلية، مع القطع بأنه يتصور وجود البعض كالعلم مثلاً، ثم يطلب بالبرهان إثبات البعض الآخر، فعلم أنهم لم يريدوا هذا المعنى، مع أنه لا يستقيم في العرض مع المحل. ولو اعتبر وصف الإضافة لزم عدم المغايرة بين كل متضايفين كالأب والابن وكالأخوين وكالعلة مع المعلول، بل بين الغيرين، لأن الغير من الأسماء الإضافية، ولا قائل بذلك.
قال الخيالي:
قوله: (مع أنه لا يستقيم في العرض مع المحل) أي: في العرض الجزئي لأن الكليين ليسا بموجودين في الخارج فلا يكونا غيرين وعدم تصور هذا العرض بدون هذا المحل ظاهر.
قوله: (و كالعلة مع المعلول) وبه يظهر خلل قوله والعالم قد يتصور موجودا إلخ إذ التصور مع إضافة المعلولية باطل وبدونها غير مفيد.
قال السيالكوتي:
قوله: (لأن الكليين…إلخ) بيان للقرينة الدالة على أن المراد العرض والمحل لجزئيين، يعني أن الكلام في الغيرين، وهما لا يكونان إلا موجودين، فهذا قرينة على أن المراد العرض والمحل الجزئيين لأن الكليين غير موجودين في الخارج.
قوله: (وعدم تصور هذا العرض…إلخ) لأن العرض الجزئي من جملة مشخصاته المحل الخاص، فلا يمكن تصوره من حيث كونه جزئيًّا بدون محله.
قوله: (وبه يظهر…إلخ) أي باعتبار أن وصف الإفاضة يستلزم أن لا يكون بين العلة والمعلول تغاير يظهر خلل ما ذكره بقوله: والعالم قد يتصور إلخ. لأن تصور العالم بدون الصانع من حيث كونه معلولًا له محال لأنه يستلزم تصور أحد المتضايفين بدون الآخر وتصوره بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن وصف الإضافة غير مفيد في كونه مغايرًا للصانع لأن وصف الإضافة معتبر على ما اعترف به السائل، أقول الجواب عن النقض بالعالم مع الصانع عل تقدير إرادة صحة الانفكاك من الجانبين قد تم بقوله: المراد إمكان تصور وجود كل منهما مع عدم الآخر، ولا يخفى أنه على ذلك التقدير لا يرد النقض بالجزء مع الكل والصفة مع الذات بل هو على تقدير إرادة الانفكاك من أحد الجانبين، فاعتبار وصف الإضافة إنما هو جواب على تقدير اختيار الشق الثاني إلا أن عبارة الشارح حيث عبر عن الجواب الثاني بقوله: بخلاف الجزء مع الكل ناقصة عن أداء المقصود وموهمة بأنه من تتمة الجواب السابق يدل على ما قلنا قول الشارح في الجواب ولو اعتبر وصف الاضافة حيث فصله عما قبله، فإن ما قبله رد للجواب الأول، وقوله: ولو اعتبر إلخ. رد للجواب الثاني المشار إليه بقوله: بخلاف الجزء مع الكل، وبما ذكرنا علمت أنه لا يظهر من اعتبار وصف الإضافة خلل في قول الشارح: والعالم قد يتصور موجود ثم يطلب إلخ لأنه جواب مستقل لا دخل لاعتبار الإضافة فيه تأمل، قال الفاضل المحشي: أنت خبير بأن وصف الإضافة في صورة العالم بالنسبة الى الصانع كان فرضيًّا وتقديريًّا قبل إقامة البرهان فكان الكلام ههنا مبنيًّا على أن تصور العالم موجودًا مع قطع النظر عن اعتبار وصف العلية والمعلولية، فإن العلية والمعلولية غير ظاهر بخلاف وصف الإضافة في صورة الكل والجزء والعلية والمعلولية ونحو ذلك، فإن وصف الإضافة محقق لا فرضي، فكان إبطال الشارح هناك مبنيًّا على اعتبار وصف الإضافة بالفعل لا على قطع النظر عنه، فلا إشكال. انتهى كلامه، أقول: كثيرًا ما يصدق بوجود الكل ثم يطلب بالبرهان وجود الجزء لخفاء كونه جزءًا، فوصف الإضافة فيه أيضًا فرضي قبل إقامة البرهان، فالفرق المذكور غير بين.
قال الشارح: فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون مرادهم أنها لا هو بحسب المفهوم، ولا غيره بحسب الوجود، كما هو حكم سائر المحمولات بالنسبة إلى موضوعاتها، فإنه يشترط الاتحاد بينهما بحسب الوجود ليصح الحمل، والتغاير بحسب المفهوم ليفيد الحمل، كما في قولنا: الإنسان كاتب، بخلاف قولنا: الإنسان حجر، فإنه لا يصح. وقولنا: الإنسان إنسان فإنه لا يفيد. قلنا: إن هذا إنما يصحح في مثل العالم والقادر بالنسبة إلى الذات، لا في مثل العلم والقدرة مع أن الكلام فيه، ولا في الأجزاء الغير المحمولة كالواحد من العشرة اليد من زيد.
قال الخيالي:
قوله: (و التغاير بحسب المفهوم ليفيد) يرد عليه أن مجرد التغاير بحسب المفهوم غير كاف في الإفادة بل لا بد من عدم اشتمال الموضوع على المحمول للقطع بعدم إفادة قولنا الحيوان الناطق كما سبق في أول الكتاب.
قال السيالكوتي:
قوله: (لكن يرد عليه أن مجرد التغاير…إلخ) أجيب عنه بأن ما هو المفهوم من عبارة الشارح أن التغاير بحسب المفهوم شرط لإفادة الحمل، فإنه لا يفيد بدونه لا أنه كاف فيه، ويمكن أن يقال معنى التغاير في المفهوم أن يكون مفهوم المحمول أمرًا زائدًا على ما يفهم من الموضوع، فالنقض بالمثال المذكور غير وارد لكون مفهوم المحمول جزءًا من مفهوم الموضوع. تأمل. وأعلم أن تفسير الحمل بالاتحاد في الهوية والتغاير في المفهوم لا يصح في العدميات، فقيل: شرط الحمل الاتحاد ذاتًا بمعنى أن ما صدق عليه ذات واحدة، والتحقيق ما ذكره في حواشي شرح التجريد بأن الحمل في الذاتيات هو الاتحاد وفي العرضيات هو الاتصاف كذا قيل.
قال الشارح: وذكر في التبصرة أن كون الواحد من العشرة واليد من زيد غيره مما لم يقل به أحد من المتكلمين سوى جعفر بن حارث، وقد خالف في ذلك جميع المعتزلة، وعد ذلك من جهالاته، وهذا لأن العشرة اسم لجميع الأفراد ومتناول لكل فرد من آحاده مع أغياره، فلو كان الواحد غيرها لصار غير نفسه، لأنه من العشرة، وأن تكون العشرة بدونه، وكذا لو كان يد زيد غيره لكان اليد غير نفسها، هذا كلامه، ولا يخفى ما فيه.
قال الخيالي:
قوله: (وأن تكون العشرة بدونه) قد وقع في عامة النسخ أن المصدرية بدل لن النافية وإنه تصحيف فصل إذ لا يمكن عطفه على ما سبق إلا بتمحل تقدير وينتقض أيضا باللازم فإنه غير الملزوم عند المعتزلة.
قوله: (ولا يخفي ما فيه) لأن كون الشيء من الشيء وعدم تحققه بدونه لا يقتضى النفسية وبالجملة مغايرته لكل جزء من أجزائه.
قال السيالكوتي:
قوله: (بدل أن النافية وأنه تصحيف فضل) وقع في عامة نسخ الحواشي بدل أن النافية، فعلى هذا قوله فضل بالضاد المعجمة، ومعناه حينئذ أنه تصحيف فاضل أي زائد لا فائدة فيه، ويؤيده ما نقل عنه من تمثيل إن النافية حيث قال كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ لأن لما بمعنى الاستثناء لدخوله على الاسم. تم كلامه. وفي بعض النسخ بدل إن النافية باللام المتصلة مع النون، وقوله: فصل بالصاد المهملة فمعناه أنه تصحيف وتغيير بسبب فصل لامها عن النون، وفي بعض النسخ تصحيف محل.
قوله: (اذ لا يمكن…إلخ) مثل أن يقال: إنه معطوف على قوله: لصار بحسب المعنى، إذ مآله لو كان الواحد غيرها يلزم أن يكون الواحد غير نفسه، وأن يكون العشرة بدونه أو معطوف على ضمير كان على ما وقع في بعض نسخ الشرح بدل لفظ صار، فيكون المعنى لكان كون العشرة بدونه، وكل ذلك تعسف وتكلف نقل عنه أي بتقدير أن يقال لزم أن يكون العشرة بدونه، وعلى هذا يكون معطوفًا على قوله: لصار، وعلى تقدير إن النافية يكون معطوفًا على قوله: لأنه من العشرة، وحينئذ لا يرد النقض باللازم لأنه لا يصدق عليه أنه من الملزوم انتهى. يعني أنه وإن صدق على اللازم أنه لا يكون بدون الملزوم لكن لا يصدق عليه أنه بعض من الملزوم، فلا يرد النقض به على الدليل.
قوله: (وينتقض أيضًا…إلخ) أي مع كونه محتاجًا إلى التكلف ينتقض باللازم، فإن اللازم غير الملزوم عند المعتزلة مع جريان الدليل المذكور فيه بأن يقال: لو كان اللازم غير الملزوم لزم أن يكون الملزوم بدونه وأنه محال، فيلزم أن لا يكون اللازم غيرًا، ويمكن أن يقرر بالنقض التفصيلي بأن يقال: لا نسلم أنه لو كان الواحد غير العشرة يلزم أن تكون العشرة بدونه فإن اللازم غير الملزوم عندهم مع أنه لا يكون الملزوم بدونه.
قوله: (لا يقتضي النفسية) أي العينية حتى يلزم من مغايرة الشيء له مغايرته لنفسه، ولا يخفى عليك أن لزوم مغايرة الواحد لنفسه غير موقوف على أن كونه جزءًا من العشرة، وعدم تحققها بدونه يستلزم النفسية، فلو كان مغايرًا لها يلزم مغايرته لنفسه بل يتم بمجرد بيان أن ليس العشرة مغايرة له سواء كانت نفسه أو لا، إذ يكفي أن يقال: إنه من العشرة وهي لا تكون بدونه فلا تكون العشرة مغايرة له، فلو كان الواحد مغايرًا لها يلزم مغايرته لنفسه لأن المغاير للشيء مغاير لما ليس غيره، إذ لو كان عينه يلزم اتصافه بالغيرية واللاغيرية بالنسبة إلى شيء واحد، فالصواب أن يقال: في توجيه النظر إذ كون الشيء من الشيء وعدم تحققه بدونه لا يقتضي عدم المغايرة بينهما.
قوله: (وبالجملة مغايرة…إلخ) فلا يلزم من مغايرة الواحد للعشرة ومغايرة يد زيد له مغايرتهما لنفسهما.
وهي العلمُ، والقدرةُ، والحياةُ، والقوةُ، والسمعُ، والبصرُ.
قال الشارح: (وهي) أي: صفاته الأزلية (العلم) وهو صفة أزلية تنكشف المعلومات عند تعلقها بها. (والقدرة) وهي صفة أزلية تؤثر في المقدورات عند تعلقها بها. (والحياة) وهي صفة أزلية توجب صحة العلم. (والقوة) وهي بمعنى القدرة. (والسمع) وهي صفة تتعلق بالمسموعات.
(والبصر) وهي صفة تتعلق بالمبصرات، فتدرك إدراكاً تاماً على سبيل التخيل أو التوهم، ولا على طريق تأثير حاسة ووصول هواء، ولا يلزم من قدمها قدم المسموعات والمبصرات كما لا يلزم من قدم العلم والقدرة قدم المعلومات والمقدورات، لأنها صفات قديمة تحدث لها تعلقات بالحوادث.
قال الخيالي:
قوله: (ينكشف المعلومات عند تعلقها بها) سواء كان قديما أوحادثا فإن للعلم تعليقات قديمة غير متناهية بالفعل بالنسبة إلى الأزليات والمتجددات باعتبار أنها ستتجدد وتعليقات حادثة متناهية بالفعل بالنسبة إلى المتجددات باعتبار وجودها الآن أو قبل.
قوله: (تؤثر في المقدورات) بجعلها ممكنة الوجود من الفاعل وأما الوجود بالفعل فهو أثر التكوين عند القائلين به فحينئذ تعلقات القدرة كلها قديمة وأما النافون للتكوين فتعلقاتها قديمة عند بعضهم بمعنى أنها تعلقت في الأزل بوجود المقدور فيما لا يزال وحادثة عند الآخرين.
قوله: (هي بمعنى القدرة) فذكرها للتنبيه على الترادف أو على صحة الإطلاق على الله القوي العزيز.
قوله: (و السمع والبصر) هما صفتان غير العلم عند الأشاعرة وأوّلهما غيرهم بالعلم بالمسموعات والمبصرات حيث التعلق على وجه يكون سببا للانكشاف التام وإن كان له تعلق آخر وانكشاف آخر قبل حدوث المسموعات والمبصرات فللعلم نوعان من التعليق، فلا يرد أن يقال العلم بالمسموع حاصل قبل وجود المسموع بخلاف السمع فلا يتحدان ومن تمسك به يلزمه أن يقول بالشم والذوق واللمس أيضا فلا ينحصر الصفات في السبع.
قوله: (تحدث لها تعلقات) حدوث التعلق في القدرة على مذهب من لا يقول بالتكوين كما مرآنفا.
قال السيالكوتي:
قوله: (فإن للعلم تعلقات…إلخ) حاصله أن تعلقات علمه تعالى على نوعين: تعلقات في الأزل من غير أن يكون مقيدًا بالزمان شاملة لجميع ما يمكن تعلق العلم به من الأزليات والمتجددات، لكن تعلقاته الأزلية بالمتجددات باعتبار أنها ستجدد من غير أن يكون مقيدًا بالزمان بل على وجه كلي كما يتعلق بالأمور الكلية الغير المتجددة على ما مر تحقيقه، وهذه التعلقات قديمة غير متناهية بالفعل ضرورة عدم تناهي متعلقاتها أعني جميع ما يمكن أن يعلم من الأمور الكلية الأزلية والمتجددة لشموله الممكن والممتنع والواجب، وتعلقات فيما لا يزال مختصة بالمتجددات باعتبار أنها متجددات في زمان الحال والاستقبال، وهذه تعلقات حادثة متناهية بالفعل ضرورة حدوث متعلقاتها وتناهيها سواء كانت مجتمعة أو متنافية في الوجود لأن كل ما هو موجود متناه، ولا يلزم من تغير المتجددات بحسب تجدد الأزمان وتبدلها تبدل ذات الواجب من صفة إلى صفة على ما زعمت الفلاسفة لأن ذلك لا يوجب تغيرًا في صفة العلم بل في تعلقاتها التي هي أمور اعتبارية وإضافية ولا فساد فيه، وهذا ما عليه الجمهور، وذهب بعض المحققين إلى أن علمه تعالى بالمتجددات بأنها وجدت والعلم بأنها ستوجد واحد، فلا حاجة إلى إثبات تعلقات حادثة لعلمه تعالى بالمتجددات باعتبار وجودها، فإن من علم أن زيدًا سيدخل الدار غدًا فعند حصول الغد يعلم بهذا العلم أنه دخل الدار الآن إذا كان علمه هذا مستمرًّا بلا غفلة مزيلة له، وإنما يحتاج أحدنا إلى علم آخر متجدد، فيعلم أنه دخل الآن بطريان الغفلة عن الأول، والباري تعالى يمتنع الغفلة عليه فيكون علمه بأنه وجد عين علمه بأنه سيوجد، وإنما قال: متناهية بالفعل لأن تلك التعلقات غير متناهية بالقوة بمعنى أنها لا تنتهي إلى حد لا يتصور فوقه تعلق آخر لأن متعلقاته أيضًا غير متناهية بهذا المعنى على ما مرّ في تحقيق أن مقدورات الله تعالى غير متناهية، وبما قررنا اندفع ما قاله الفاضل المحشي من أن المتجددات سواء أخذت باعتبار أنها ستتجدد أو باعتبار أنها وجدت الآن أو قبل متناهية ببرهان التطبيق، فيكون تعلقات العلم بذلك أيضًا متناهية سواء كانت التعلقات أزلية أو متجددة إذ ليس معنى قوله: للعلم تعلقات قديمة غير متناهية بالفعل بالنسبة إلى الأزليات والمتجددات أن للعلم تعلقات غير متناهية بالنسبة إلى كل واحد من الأزليات والمتجددات حتى يرد ما ذكر بل معناه أن تعلقاته غير متناهية بالنسبة إلى مجموع الأزليات والمتجددات، ولا شك أن مجموع الأزليات والمتجددات غير متناهية كما لا يخفى.
قوله: (بجعلها ممكن الوجود…إلخ) يعني أن القدرة صفة تجعل المقدورات ممكن الوجود أي الصدور من الفاعل بمعنى أنها صفة بها يمكن التأثير والإيجاد من الفاعل لا بمعنى أنها تجعل المقدورات ممكنة الوجود في نفسها لأن الإمكان بمعنى استواء الطرفين بالنسبة إلى ذاته أمر ذاتي للممكن تعلل القدرة به، يقال: هذا مقدور لأنه ممكن، وذلك ليس بمقدور لأنه ممتنع أو واجب فلا يصح أن يكون أثرًا للقدرة ومحصول الكلام أن المتكلمين افترقوا فرقتين منهم من أثبت التكوين صفة مغايرة للقدرة والإرادة، ومنهم المصنف، ومنهم من نفاه، فمن أثبت التكوين قال: إن القدرة صفة من شأنها صحة التأثير والإيجاد عن الفاعل والتكوين صفة من شأنها الإيجاد بالفعل بمعنى أن الممكن الذي تعلقت القدرة به في الأزل وصح صدوره عنه إذا ترجح بتعلق الإرادة أحد جانبيه تعلق التكوين بإيجاده فوجد، فعلى هذا تعلقات القدرة كلها قديمة غير متناهية بالفعل لأن الممكنات التي يصح صدورها من الواجب غير متناهية والنافون للتكوين قالوا: إن القدرة صفة من شأنها الإيجاد، وأما صحة الصدور فهو أمر لازم لإمكانها الذاتي لأنه إذا كان الطرفان متساويين صلح كون كل منهما أثرًا للتفاعل، فلا يحتاج صحة الصدور إلى مخصص، إنما المحتاج إليه صدور أحدهما بعينه من الفاعل إلى المخصص وهو الإرادة، فلا حاجة إلى إثبات التكوين ثم هؤلاء افترقوا فرقتين، فقال بعضهم: إن القدرة متعلقة في الأزل بإيجاد المقدورات لكن الإرادة إذا تعلقت وجد المقدور فيما لا يزال، فالقدرة وتعلقاتها كلها قديمة عندهم، ولا حاجة في حدوث الممكنات إلى أمر آخر، فعندهم تكون مقدورات الله تعالى غير متناهية بالفعل ضرورة أن ما يوجد فيما لا يزال غير متناه بالقوة، وقال بعضهم: إنها متعلقة فيما لا يزال بإيجاد المقدورات بمعنى الإرادة إذا رجحت أحد طرفي الممكن تعلقت القدرة بايجاده فوجد، فعلى هذا تعلقات القدرة حادثة بحسب تجدد المقدورات فعندهم مقدوراته تعالى متناهية بالفعل ضرورة تناهي الموجودات غير متناهية بالقوة، إذ لا تنتهي إلى حد لا يتصور فوقه تعلق القدرة هذا محصول كلام المحشي، والأولى أن يقول على مذهبنا في التكوين: إن للقدرة تعلقين أحدهما أزلي بها يصح صدور الممكنات عن الفاعل، وتلك التعلقات قديمة غير متناهية بالفعل لعدم تناهي الممكنات، والتعلق الثاني حادث بها يوجد المقدورات وهي التعلقات الحادثة بعد تعلق الإرادة بترجيح أحد جانبيه، وهذه التعلقات متناهية بالفعل غير متناهية بالقوة كما هو متعلقاتها.
قوله: (فذكرها للتنبيه على الترادف) قيل الأولى حينئذ ذكرها متصلًا بالقدرة.
قوله: (أو على صحة الإطلاق…إلخ) يعني أن ذكر القوة للتنبيه على أنه يصح إطلاقها على الله تعالى بمعنى أنه يصح أن يقال: إن القوة صفة له تعالى لا بمعنى أنه يصح إطلاق القوي المشتق منه عليه تعالى، فلا يرد ما قاله الفاضل المحشي أن كون المأخذ صفة لله تعالى لا يدل على صحة إطلاق المشتق على الله فإن الإطلاق موقوف على الإذن الشرعي، ألا يرى أن الاستواء والوجه واليد والقدم صفة له تعالى مع عدم صحة إطلاق المستوي وغير ذلك عليه تعالى عندنا؟
قوله: (وهما صفتان غير العلم) أي هما صفتان زائدتان على الذات تنكشف بهما المسموعات والمبصرات كما ينكشف لنا بإحدى هاتين الصفتين من غير لأن يكون على سبيل الانطباع له ووصول الهواء ومغايرتان للعلم فانا إذا علمنا علما تاما جليا بشيء ثم أبصرناه أو سمعناه نجد بالبديهة فرقا بين الحالتين ونعلم بالضرورة أن الحالة الثانية مشتملة على أمر زائد مع العلم فيهما فذلك الزائد هو الإبصار
قوله: (عند الأشاعرة) والجمهور من المعتزلة والكرامية، قال في شرح المقاصد: إلا أن ذلك ليس بلازم على قاعدة الأشعري في الإحساس مع أنه علم بالمحسوس لجواز أن يكون مرجعهما إلى صفة العلم ويكون السمع علمًا بالمسموعات والبصر علمًا بالمبصرات. انتهى كلامه. وإنما أثبت صفتين زائدتين لأن القرآن والأحاديث مملوآن به مع أنه يمكن اتصافه تعالى به، فلا حاجة إلى التأويل.
قوله: (وأولهما غيرهم) أي فلاسفة الإسلام والكعبي وأبو الحسن البصري بالعلم بالمسموعات والمبصرات من حيث تعلقه على وجه يكون سببًا للانكشاف التام الذي يكون لنا بعد استعمالنا تينك الحاستين، وحاصل كلامهم أن للعلم بالنسبة إلى المسموعات والمبصرات تعلقين تعلق أزلي بها ينكشفان انكشافًا تامًّا شبيهًا بالانكشاف التعقلي الذي يكون لنا بعد استعمال العاقلة، وتعلق آخر حادث يحصل بعد حدوثهما بها ينكشفان انكشافًا جليًّا شبيهًا بالانكشاف التخيلي الذي يكون لنا بعد استعمالنا الحاستين المذكورتين، فهو باعتبار هذين التعلقين يسمى بالسمع والبصر.
قوله: (فحينئذ لا يرد أن العلم…إلخ) لأن للعلم به تعلقًا ثانيًا يحدث بحدوثهما.
قوله: (ومن تمسك به…إلخ) أي ومن تمسك بإثبات الصفتين المغايرتين للعلم يلزمه أن يقول بالذوق والشم واللمس في ذاته تعالى ضرورة أن العلم بالمذوقات والمشمومات والملموسات يكون قبل وجودها والذوق والشم واللمس إنما يكون بعد وجودها، فتكون هذه الصفات مغايرة للعلم في ذاته تعالى، فلا تنحصر الصفات عنده في السبع، قال السيد الشريف قدس سره في شرح المواقف: وإنما لم يوصف بالشم والذوق واللمس لعدم ورود النقل بها، قال بعض المحققين: والأولى أن يقال لما ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنهما لايكونان بالآلتين المعروفتين، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما.
قوله: (عند من لا يقول بالتكوين…إلخ) نقل عنه وأيضًا لا يصح على مذهب من لا يقول بالتكوين مطلقًا بل على الآخرين منهم كما مر آنفًا.
والإرادةُ، والمشيئةُ.
قال الشارح: (والإرادة والمشيئة) وهما عبارتان عن صفة في الحي توجب تخصيص أحد المقدورين في أحد الأوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة إلى الكل، وكون تعلق العلم تابعاً للوقوع. وفيما ذكر تنبيه على الرد على من زعم، المشيئة قديمة والإرادة حادثة قائمة بذات الله تعالى، وعلى من زعم أن معنى إرادة الله تعالى فعله أنه ليس بمكره ولا ساه ولا مغلوب، ومعنى إرادته فعل غيره أنه أمر به، كيف وقد أمر كل مكلف بالإيمان وسائر الواجبات ولو شاء ما وقع.
قال الخيالي:
قوله: (توجب تخصيص أحد المقدورين) عند تعلقها به، واعترض عليه بأنه إن تساوى نسبة الإرادة إلى تعليقين يحتاج إلى مخصص آخر فيتسلسل وإلا يلزم الإيجاب لا يقال الإرادة صفة من شأنها صحة الفعل والترك فيصح التخصيص مع استواء النسبة لأنا نقول الكلام في وجود تلك الصفة لاستلزامه الترجيح بلا مرجح.
قوله: (وكون تعلق العلم تابعا للوقوع) تحقيقه أن العلم التصوري عام للوقوع وغيره فلا يكون مرجحا والعلم التصديقي بالوقوع فرع الوقوع والوقوع فرع الإرادة المخصصة وبه يندفع قول الحكماء التابع هو العلم الانفعالي لا الفعلي، نعم يرد أن يقال يجوز أن يكون المرجح في أفعاله تعالى هو العلم بالمصلحة وليس ذلك فرع وقوع الفعل ولا مخلص إلا ببيان وجود فعل يساوي طرفاه في المصلحة من كل وجه.
قوله: (أنه ليس بمكره ولا ساه) فإن قلت يلزم منه كون الجماد مريدا قلت هذا تفسير إرادة الواجب لا جميع الإرادة نعم يرد عليه أن هذا المعنى لا يصلح مخصصا لأحد الطرفين وهو ظاهر وإن أريد أن الفعل يصدر عن الذات على هذا الوجه وهو معنى الإرادة فهو قول بالإيجاب.
قوله: (و لو شاء لوقع) الملازمة غير مسلمه عندهم لكن الكلام على التحقيق.
قال السيالكوتي:
قوله: (اعترض عليه…إلخ) حاصله أن الإرادة التي من شأنها التخصيص عند التعلق أن تساوي نسبتها إلى التعلقين أعني تعلق الفعل والترك يحتاج إلى مخصص آخر وإلا يلزم الترجيح بلا مرجح، وينقل الكلام إلى ذلك المخصص فيلزم التسلسل أو الدور، وإن لم يتساو بل من شأنها التعلق بجانب واحد لذاته يلزم الإيجاب ونفي الاختيار بمعنى صحة الفعل والترك الذي أثبته الشيخ الأشعري ضرورة أن أحد الطرفين لازم الإرادة والإرادة لازم الذات، فيكون أحد الطرفين لازم الذات وإن كان المعنى الثاني إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل متحققًا، لا يقال: لمَ لا يجوز أن يكون للإرادة نوع خصوصية بأحد التعلقين ولا تنتهي تلك الخصوصية إلى حد الوجوب فلا يلزم الإيجاب ولا التسلسل؟ لأنا نقول: إن الخصوصية ما لم تنته إلى حد الوجوب لا يكون مخصصًا للوقوع لأنه إذا صار الوقوع بسبب تلك الخصوصية أولى بلا وجوب وكان كافيًا في وقوعه فلنفرض وقوعه بها في وقت والعدم في وقت آخر، فإن لم يكن اختصاص أحد الوقتين بالوقوع لمرجح يلزم الترجيح بلا مرجح، وإن كان لمرجح لا تكون تلك الخصوصية كافية، بل نقول: إذا لم تكن الأولوية واصلة إلى حد الوجوب يلزم ترجيح المرجوح لأنه مع وجود تلك الأولوية لأحد الطرفين يجوز وقوع الطرف الآخر لعدم انتهائها إلى حد الوجوب، فإذا فرض وقوع الطرف الآخر مع وجود الأولوية لأحد الطرفين يلزم ترجيح المرجوح، ولذا قالوا في تعريف الإرادة: صفة توجب تخصيص أحد المقدورين، ولم يقولوا: صفة ترجح أحد المقدورين، وقالوا: إن المعلول ما لم يجب وجوده عن العلة لم يوجد.
قوله: (لا يقال الإرادة صفة…إلخ) جواب عن الاعتراض، وحاصله أنا نختار الشق الأول ولانسلم لزوم الاحتياج إلى مخصص آخر، فإن الإرادة صفة من شأنها ومقتضى ذاتها أنها إذا تعلقت يصح صدور الفعل وتركه عن الفاعل من غير احتياج إلى مخصص آخر، فيجوز تخصيصه للمساوي بل للمرجوح.
قوله: (لأنا نقول الكلام في وجود تلك الصفة…إلخ) يعني لا نسلم وجود الصفة التي من شأنها صحة الفعل والترك من غير مخصص بل هو ممتنع لاستلزامه المحال الذي هو ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح، وقد أجيب عنه بأن اللازم هو ترجيح أحد المتساويين أي إيجاده من غير مرجح أي من غير سبب وداعٍ إلى إيجاده، وهو ليس بمحال بل هو واقع، فإن الهارب من السبع إذا كان له طريقان متساويان فإنه يختار أحدهما من غير داع وباعث عليه، وكذا العطشان إذا كان عنده قدحا ماءٍ متساويان من جميع الوجوه، والجائع إذا كان عنده رغيفان متساويان من جميع الوجوه، وإنما المحال هو ترجح أحد المتساويين أي وقوع أحدهما من غير مرجح أي موقع وموجد، وهو غير لازم من كون الإرادة مرجحة كما لا يخفى، وأنت خبير بأن هذا الجواب لا يجدي نفعًا لأنه حينئذ يجوز أن يكون مخصص أحد المقدورين بالوقوع في وقت معين هي القدرة، واستواء نسبتها إلى الطرفين والأوقات إنما يستلزم الترجيح بلا مرجح لا الترجح بلا مرجح اذ المرجح الموجد هو الذات، وهو موجود، والفرق بأن كون القدرة مرجحة يستلزم الترجيح بلا مرجح دون الإرادة مشكل على أنا نقول قد صرح السيد الشريف في شرح المواقف في بحث الإمكان أن الترجيح بلا مرجح مستلزم الترجح بلا مرجح، هذا ولا مخلص عن هذا الإيراد إلا بأن يقال: إن تعلق الإرادة بترجيح أحد الطرفين محتاج إلى تعلق آخر مخصص له، وهكذا إلى ما لا نهاية له، والتعلقات أمور اعتبارية لا يجري فيها برهان التطبيق، فالتسلسل فيها ليس بمحال وفيه تأمل.
قوله: (تحقيقه) أي تحقيق أن العلم غير الصفة التي ترجح أحد المقدورين بالوقوع أنه لو كان عينها فلا يخلو اما أن يكون مرجح أحد الطرفين العلم بنفس حقيقة المقدور أو العلم بوقوعه ووجوده في الخارج، وكلاهما لا يصير مخصصًا، أما الأول فلأنه عام شامل للواقع وغيره فإنه تعالى يعلم الممكن والممتنع والواجب، فلا يكون مخصصًا له، وهو ظاهر، وأما الثاني فلأن العلم بوقوع الشيء فرع وتابع لكونه مما يقع في الحال أو في الاستقبال، فإن المعلوم هو الأصل والعلم صورة له وظل وحاك عنه سواء كان مقدمًا عليه وهو الفعلي أو مؤخرًا عنه وهو الانفعالي، والصورة والحكاية عن الشيء فرع ذلك الشيء حتى لو لم يكن ذلك الشيء بتلك الحيثية التي تعلق به العلم لا يكون علمًا بل جهلًا، وإذا كان العلم بوقوع الشيء فرع كون الشيء مما يقع فلا يكون عين الإرادة التي كون الشيء مما يقع فرع وتابع له، وبما حررنا لك اندفع ما قيل: إن كون العلم تصورًا أو تصديقًا إنما يتم في العلم الحصولي، وعلم الله تعالى حضوري إذ ليس المراد بالتصور والتصديق ما هو قسمين للعلم الحصولي أعني الصورة الحاصلة بدون الحكم أو مع الحكم، بل العلم بنفس حقيقة الشيء أو العلم بوقوعه سواء كان حصوليًّا أو حضوريًّا، واندفع أيضًا ما قيل: إنا لا نسلم أن التصديق فرع الوقوع، وإنما يكون كذلك لو كان الزمان الماضي معتبرًا في القضية المصدق بها، أما إذا كانت القضية ممكنة عامة أو مطلقة عامة أو مقيدة بالزمان المستقبل فلا يكون التصديق بها فرع وقوعها لأن التصديق على هذا التقدير وإن لم يكن فرعًا للوقوع بمعنى تأخره عنه في الوجود لكنه فرع له بالمعنى الذي ذكرناه أعني كونه ظلًّا وحكاية عنها، وهذا القدر كاف لعدم كونه مرجحًا لوقوعه كما لا يخفى على ذوي الأفهام *بقي ههنا بحث وهو ما ذكره صاحب نقد المحصل أن هذا مخالف لما تقرر عندهم من أن ما علم الله تعالى وقوعه يجب أن يقع تأمل.
قوله: (وبه يندفع قول الحكماء…إلخ) أي بما ذكرناه من أن العلم بالوقوع سواء كان متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه اندفع ما قال الحكماء: إن العلم التابع لوجود الأشياء هو العلم الانفعالي الذي يكون مستفادًا من الوجود الخارجي كعلمنا بالسماء والأرض دون العلم الفعلي الذي يكون الوجود الخارجي مستفادًا منه كما تتصور أولًا السرير ثم تحصله، وعلمه تعالى من قبيل الفعلي إذ هو يعلم الأشياء كما هي قبل أن توجد فلا يكون تابعا فيجوز أن يكون مرجحًا لوقوع الأشياء في أوقاتها، وإنما قلنا: إنه يندفع لأنهم إن أرادوا به أنه ليس ظلا وحكاية عنه فهو باطل، وإن أرادوا أنه ليس بتابع في الوجود الخارجي والتحقق لأنه مقدم عليه فهو مسلم لكنه لا يصير بهذا القدر مرجحًا لوقوع المقدور كما لا يخفى.
قوله: (نعم يرد أن يقال…إلخ) يعني يرد أن يقال: إنه لا يلزم من عدم كون العلم بنفس المقدور أو العلم بوقوعه مرجحًا أن لا يكون العلم مطلقًا مرجحًا لجواز أن يكون المرجح هو العلم بالمصلحة، وهو ليس فرعًا لوقوع الفعل بأن يكون وقوع الفعل أصلًا والعلم بما فيه من المصلحة ظلًّا وحكاية عنه وهو ظاهر، وأجاب عنه بعض العلماء بأن العلم بالمصلحة إنما يكون مرجحًا إذا كان مراعاة الأصلح واجبة عليه تعالى، وليس كذلك كما بين في محله، فيجوز أن يترك ما فيه المصلحة ويفعل ما لا مصلحة فيه، فلا يكون مخصصًا، تأمل حتى تتكشف لك حقيقة الحال وسريرة المقال.
قوله: (إن قلت يلزم…إلخ) لا يخفى أن هذا إنما يرد أن لو فسر قوله: ولا مغلوب أي بأن لا يكون مضطربًا في أفعاله، بل تكون أفعاله على نسق واحد، أما لو فسر بعدم كونه مغلوب الطبيعة في أفعاله فلا لأن الجماد مجبور الطبيعة في أفعاله غير مختار فيها، فحينئذ يكون معنى كونه تعالى مريدًا أنه ليس له قاسر في أفعاله تعالى وليس بساه فيها ولا مغلوب الطبيعة فيها بل يفعله باختياره، فحينئذ يكون راجعًا إلى نفي كون الإرادة صفة ثبوتية زائدة على ذاته تعالى، ولذا قال الشارح في شرح المقاصد: لا خفاء في أن هذا موافق للفلاسفة في نفي كون الواجب مريدًا أي فاعلًا على سبيل القصد والاختيار، ثم إن قوله: إن قلت: يلزم منه أن كون الجماد مريدًا تقريره أن هذه السلوب متحقق في الجماد، فلو كان الاتصاف بمجرد هذه الأسلوب كافيًا في كونه تعالى مريدًا لزم أن يكون الجماد مريدًا، وحينئذ جواب المحشي موافق له، وهو أن هذا تفسير إرادة الواجب يعني أن هذه السلوب إنما تكون إرادة في الواجب لا في غيره، فكون الجماد ليس بمكره ولا ساه ولا مغلوب لا يستلزم كونه مريدًا، وقال بعض الفضلاء: إن مقصود المعترض أنه لو كفى مجرد ذلك في صحة إطلاق المريد على الواجب لصح إطلاقه على الجماد لتحقق ما يوجب صحة الإطلاق فيه، ولا يخفى أن جواب المحشي حينئذ غير تام، أقول: هذا التقرير فاسد لأنا لا نسلم تحقيق ما يوجب صحة الإطلاق في الجماد لأن الموجب لصحة الإطلاق كون الواجب غير مكره ولا ساه ولا مغلوب، لا كون شيء من الأشياء كذلك على ما يشعر بذلك قوله: إنه ليس بمكره ولا ساه ولا مغلوب بإيراد الضمير الراجع إلى الواجب، والحاصل أنه إن أورد السؤال بأن الجماد أيضًا متصف بعدم الكره والسهو والمغلوبية فيلزم أن يكون مريدًا يكون للسؤال موجهًا، ويجاب بما أجاب به المحشي، وإن أورد بأن التعريف صادق على الجماد فيلزم أن يكون مريدًا فهو فاسد لعدم صدق التعريف عليه ضرورة أخذ الواجب في التعريف. فتدبر فإنه دقيق.
قوله: (نعم يرد…إلخ) يعني يرد عليه أن الإرادة إذ كانت عبارة عن السلوب المذكورة لا تكون مرجحة لتخصيص أحد المقدورين بالوقوع في بعض الأوقات لأن نسبتها إلى كل الأوقات والمقدورات على السواه كما لا يخفى.
قوله: (وإن أريد…إلخ) أي إن أريد أن الفعل يصدر عن الذات مع عدم كونه مكرهًا وساهيًا ومغلوبًا في ذلك، فهو قول بأن الواجب موجب في أفعاله لكون الأفعال حينئذ مقتضى ذاته من غير أن يكون بتوسط صفة بها يصح الفعل والترك، قيل: إن من فسر الإرادة بالسلوب المذكورة أثبت المشيئة، فلتكن هي المرجحة.
قوله: (الملازمة غير مسلمة عندهم) لأن تخلف المراد عن الإرادة جائز عندهم، لأنهم يقولون: إن الله تعالى أراد إيمان الكافر وطاعة الفاسق لكنه لم يقع، وبعضهم يسلمون الملازمة ويفرقون بين الإرادة والمشيئة ويقولون: تخلف المراد جائز دون ما يتعلق به المشيئة، ولعلهم يخصصون المشيئة بمشيئة القسرية.
قوله: (لكن كلام على التحقيق) فإن التحقيق أن كل ما أراده الله تعالى فهو كائن ومراد له، وإن لم يكن مرضيًّا ومأمورًا به بل قد يكون منهيًّا عنه إجماعًا من أجل الحق لقوله تعالى: ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ وقوله تعالى: ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠ ولقوله عليه السلام: “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن”
والفعلُ، والتخليقُ، والترزيقُ، والكلامُ.
قال الشارح: (والفعل والتخليق) عبارة عن صفة أزلية تمسى التكوين، وسيجيء تحقيقه، وعدل عن لفظ الخلق لشيوع استعماله في المخلوق. (والترزيق) هو تكوين مخصوص صرح به إشارة إلى أن مثل التخليق والترزيق والتصوير والإحياء والإماتة وغير ذلك مما استند إلى الله تعالى، كل منها راجع إلى صفة حقيقية أزلية قائمة بالذات هي التكوين، لا كما زعم الأشعري من أنها إضافات وصفات للأفعال. (والكلام) وهي صفة أزلية غبر عنها بالنظم المسمى بالقرآن المركب من الحروف، وذلك لأن كل من يأمر وينهى ويخبر يجد من نفسه معنى ثم يدل عليه بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة، وهي غير العلم، إذ قد يخبر الإنسان عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه، وغير الإرادة لأنه قد يأمر بما لا يريده، كمن أمر عبده قصداً لإظهار عصيانه وعدم امتثاله لأوامره، ويسمى هذا كلاماً نفسياً على ما أشار إليه الأخطل بقوله: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلاً، وقال عمر رضي الله عنه: إني زورت في نفسي مقالة، وكثيراً ما تقول لصاحبك: إن في نفسي كلاماً أريد أن أذكره لك.
قال الخيالي:
قوله: (إذ قد يخبر الإنسان عما لا يعلمه) قيل عليه هذا إنما يدل على مغايرة للعلم اليقيني لا للعلم المطلق إذ كل عاقل تصدى للأخبار يحصل في ذهنه صورة ما أخبر به بالضرورة على أنه لا يتم في شأنه تعالى وقياس الغائب على الشاهد لا يفيد، واعلم أن هذا المقام محار الأفهام والذي يخطر بالبال هو أن يقال المعنى الذي نجده في أنفسنا لا يتغير بتغير العبارات ومدلولاتها فإن قولنا زيد قائم وزيد ثبت له القيام واتصف زيد بالقيام إلى غير ذلك تعبيرات عن معنى واحد والإنكار مكابرة ولا شك أن مدلولات هذه الألفاظ متغايرة فليس ذلك عين مدلول اللفظ ثم إن الشاك في وقوع النسبة يتصور الأطراف والنسبة ألبتة ولا يجد ذلك المعنى عند عدم قصد الإخبار ثم إنه قد يقصده فيجد المعنى مع عدم علمه بوقوع النسبة فليس ذلك المعنى شيئا من العلوم فتدبر والله الموفق.
قوله: (كمن أمر عبده…إلخ) فإنه يأمره ويريد أن لا يفعل ليظهر عذره عند من يلومه بضربه واعترض عليه بأنه لا يطلب في هذه الصورة كما لا إرادة فالموجود صيغة الأمر لا حقيقته والحق أن الأمر تعبير عن الحالة الذهنية والإنكار مكابرة.
قال السيالكوتي:
قوله: (قيل عليه…إلخ) قائله مولانا زاده الشارح الأخير للعقائد، وحاصله أن الدليل إنما يدل على أن المعنى الذي يجده المخبر حين الإخبار مغاير للعلم بمعنى التصديق اليقيني لا لمطلق العلم الشامل للتصور والتصديق، فإن كل عاقل بصدد الإخبار يحصل يحصل في ذهنه صورة ما أخبر به بالضرورة، وعلى تقدير التسليم أن هذا الدليل غير تام في شأنه تعالى إذ لا يمكن أن يقال: إنه تعالى أخبر عما لا يعلم لأنه يستلزم الجهل والكذب وكلاهما محال على ذاته تعالى، وقياس الغائب على الشاهد على ما قاله الإمام الرازي من أنه لما ثبت مغايرته للعلم في الشاهد فكذلك في الغائب إذ لا يختلف فيهما حقيقة الخبر بالإجماع غير مقيد في المطالب التي يطلب فيها اليقين، وأجيب عنه بأن الذي يصلح أن يكون مدلولًا للكلام الإخباري حسًّا هو العلم التصديقي دون العلم التصوري، فلا حاجة إلى بيان مغايرته له وأن قياس الغائب على الشاهد يفيد الإلزام على الخصم لقولهم به وقد يقال: المقصود ههنا مجرد تصور الكلام النفسي بحيث يمتاز عن الكلام اللفظي والعلم والإرادة، وأما إثباته للواجب تعاى فذاك بما نقل عن الأنبياء عليهم السلام، ولا يخفى ما في الكل، أما الأول فلأنه إنما يتم إذا كان دلالة الكلام الإخباري عليه دلالة وضعية، أما إذا كان دلالة الأثر على المؤثر فلا، وأما الثاني فلأن الإلزام غير مقصود ههنا بل المقصود إثبات المطلب الذي هو من جملة مهمات أمور الدين، وأما الثالث فلأن ما نقل عن الأنبياء عليهم السلام بالتواتر إنما يدل على ثبوت الكلام لا على كونه مغايرًا لما في ذاته تعالى، فلا بد من بيان المغاير وإمكانه في ذاته تعالى حتى يحمل تواتر النقل بثبوته على ظاهره ولا يؤول.
قوله: (واعلم أن هذا المقام من مجاز الإفهام) نقل عنه يجوز بالجيم والحاء المهملة انتهى، فعلى الأول من جزت الموضع أجوزه جوازا سلكته وسرت فيه، وعلى الثاني من حار الإبل يحورها ويحيرها، والحوار والحير السوق اللين.
قوله: (المعنى الذي تجده) يعني أن المعنى الذي نجده في أنفسنا عند إخبارنا عن قيام زيد أعني النسبة الإيجابية بينهما لا تتغير بتغير العبارات ومدلولاتها المتغيرة بتغيرها أعني المدلولات اللغوية التي يسمونها في الاصطلاح معاني أول وهو ظاهر، فإن العبارات تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأقوام، وبحسبها تختلف مدلولاتها من غير اختلاف وتغير في ذلك المعنى، بل كما يدل على ذلك المعنى بالعبارة يدل عليه بالكتابة والإشارة أيضًا، فعلم أنه غير الكلام اللفظي الذي هو العبارات، وغير مدلولاتها التي تتغير بتغيرها، فلا يرد أن يقال: إن الكلام النفسي مدلولات الألفاظ والمدلولات حادثة لتغيرها بتغير العبارات، فيلزم قيام الحوادث بذاته تعالى، قال بعض الفضلاء: وأنت خبير بأن ما ذكره إنما يتم إذا ثبت كون المعنى المذكور كلامًا نفسيًّا ولم يثبت بعد، وأيضًا إن الكلام النفسي مدلول الكلام اللفظي عند أهل الحق، وما ذكره من قوله: فليس ذلك عين مدلول العبارة في توجيه كلامهم بعيد عن مقصودهم بمراحل، أقول: المقصود ههنا هو مجرد بيان أن المعنى الذي يعبر عنه بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة مغاير للعلم، وأما أنه كلام نفسي أم لا فهو مطلب آخر أثبته الشارح بقوله: ويسمى هذا كلامًا نفسيًّا كما أشار إليه الأخطل إلخ. وليس المراد بقولهم الكلام النفسي مدلول اللفظي أنه مدلوله اللغوي الذي يتغير بتغير العبارات والاصطلاحات، كيف وهو يستلزم قيام الحودث بذاته تعالى؟ بل المراد أنه المعنى الذي هو غرض المتكلم من الكلام الذي لا يتغير بحسب تغير العبارات والاصطلاحات، وهو الأصل بالنسبة إلى الألفاظ المعبر عنه بالمعاني الثانية في الاصطلاح.
قوله: (ثم إن الشاك…إلخ) بيان لمغايرته للعلم يعني أن الشاك يحصل له التصورات الثلاث، ولا يجد ذلك المعنى أعني النسبة الإيجابية عند عدم قصد الإخبار عنه، فيكون مغايرًا لتصور ما أخبر به ثم إنه إذا قصد الإخبار عن ذلك المعنى يجد في نفسه تلك النسبة الإيجابية التي يعبر عنها بزيد قائم أو ثبت له القيام أو اتصف بالقيام أو نحو ذلك مع عدم علمه بوقوع النسبة لكونه شاكًّا، فيكون مغايرًا للتصديق بما أخبر به أيضًا، وفيه بحث من وجوه: الأول: أنه يرد عليه بعض ما ير د على الأول من أن هذا الدليل غير تام في ذاته تعالى، إذ لا يصح كونه تعالى شاكًّا ولا إخباره عما لا يعلم وقوعه، وقياس الغائب على الشاهد لا يفيد، والثاني: أنه إن أريد بعدم علمه بوقوع النسبة عدم التصديق به فمسلم، لكنه لا يفيد المغايرة لمطلق العلم، وإن أريد عدم تصوره أيضًا فهو ممنوع، والثالث: وهو يرد على الأول أيضًا أنا لا نسلم تحقق حقيقة الخبر في تلك الصورة بل ليس ههنا إلا مجرد لفظ الخبر، ولعل في قوله: تدبر إشارة إلى ما ذكرنا. تأمل فإنه من مطارح الأذكياء.
قوله: (والحق أن الأمر عبارة عن الحالة…إلخ) أي والحق أن الأمر مغاير للإرادة لأن الأمر تعبير عن الحالة التي تحصل في ذهن الآمر عند قصد الأمر أعني النسبة الإيجابية التي بطريق الاستعلاء سواء أراد وقوع ما يتعلق به الأمر أو لم يرد بل أراد عدم وقوعه، وإنكار هذا مكابرة.
قال الشارح: والدليل على ثبوت صفة الكلام إجماع الأمة وتواتر النقل عن الأنبياء عليهم السلام أنه تعالى متكلم، مع القطع باستحالة التكلم من غير ثبوت صفة الكلام.فثبت أن لله تعالى صفات ثمانية هي: العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والإرادة والتكوين والكلام.
قال الخيالي:
قوله: (والدليل على ثبوت صفة الكلام) أي: التي ثبت مغايرتها للعلم والإرادة فيما سبق لا أنه يدل عى الثبوت والمغاير معا.
قوله: ( الإجماع وتواتر النقل عن الأنبياء) قال في “التلويح” ثبوت الشرع موقوف على الإيمان بوجود الباري تعالى وعلمه وقدرته وكلامه وعلى التصديق بنبوة النبي عليه سلام بدلالة معجزاته ولو توقف شيء من هذه الأحكام على الشرع لزم الدور وبين كلاميه تدافع لا بد في التوفيق من التمحل فتأمل.
قال السيالكوتي:
قوله: (قال في التلويح ثبوت الشرع…إلخ) يعني أن ثبوت شريعة نبينا عليه السلام موقوف على وجود الباري وعلمه وقدرته وكلامه، وعلى تصديق النبي عليه السلام بدلالة معجزاته، أما توقفه على ما سوى الكلام فلأن ثبوته موقوف على ثبوته عليه الصلاة والسلام، وهو موقوف على ظهور أمر خارق يكون فعل الله لأنه تصديق منه حال ادعائه النبوة موافقًا لدعواه، ولا شك أن خرق العادة حين الادعاء موافقًا للدعوة موقوف على كونه تعالى قادرًا مختارًا موجودًا عالمًا، وأيضًا الرسول من أرسله الله تعالى لتبليغ الأحكام، فلا بد أن يكون المرسل موجودًا قادرًا على الإرسال عالمًا بمعناه مختارًا يختار لمن يشاء من عباده، وأما توقفه على الكلام فلأن أكثر الأحكام التي جاء بها نبينا عليه السلام مأخوذ من الكتاب، وهو أقوى الأدلة الشرعية وأعلاها، وثبوته موقوف على كونه تعالى متكلمًا، وبما ذكرنا ظهر ضعف ما قال بعض الفضلاء: ولعل التحقيق عدم توقف الشرع على التصديق بكلام، إذ يجوز إرسال الرسل بأن يخلق فيهم علمًا ضروريًّا برسالتهم وما يتعلق بها من الأحكام أو يخلق الأصوات الدالة عليها أو يصدقهم بأن يخلق المعجزة في أيديهم من غير احتياجهم في شيء من ذلك إلى اتصافه لي بالكلام لأن الكلام في شريعة نبينا عليه السلام، وتوقفه على التصديق بكلامه تعالى ظاهر كما لا يخفى.
قوله: (فبين كلاميه تدافع ظاهر…إلخ) لأن ما في التلويح يدل على أن الإيمان بكلامه تعالى لا يتوقف على الشرع، وكلامه ههنا يدل على أنه يتوقف على الشرع حيث أثبت كلامه تعالى بإجماع الأمة الذي هو موقوف على ثبوت الشرع، واعلم أنه لا حاجة في إثبات هذا التدافع إلى نقل هذا الكلام من التلويح لأن الشارح صرح في هذا الكتاب أيضًا بأن ثبوت الشرع موقوف على الكتاب، فلا يمكن إثبات الكلام به حيث قال في بيان قوله الحي القادر العليم السميع البصير الشائي المريد، وأيضًا قد ورد الشرع بها وبعضها مما لا يتوقف ثبوت الشرع عليها فيصح التمسك بالشرع فيها كالتوحيد بخلاف وجود الصانع وكلامه ونحو ذلك مما يتوقف ثبوت الشرع عليه.
قوله: (لا بد من التوفيق من التمحل…إلخ) لا حاجة إلى التمحل بل التوفيق بينهما جلي لأن ما قال في التلويح هو أن ثبوت الشرع موقوف على ثبوت كلامه تعالى، وما قال ههنا أن ثبوت الكلام موقوف على ثبوت الإجماع وثبوت الإجماع غير موقوف على ثبوت الشرع حتى يلزم ما ذكر بل على صدق النبي عليه السلام لأن مبناه قوله عليه السلام موقوف على ظهور أمر خارق على يده لا على ثبوت الشرع، قال في شرح المقاصد: إنه متكلم لتواتر النقل بذلك من الأنبياء، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزة من غير توقف على إخبار الله عن صدقهم بطريق التكلم ليلزم الدور انتهى كلامه. قيل: وجه التوفيق أن الموقوف عليه للشرع هو الكلام اللفظي والمثبت بالشرع الكلام النفسي، وقال المحشي المدقق في وجه التوفيق: إن اللازم مما في التلويح عدم توقف الإيمان بكلامه تعالى على ثبوت الشرع، واللازم مما ذكر ههنا توقفه على نفس الشرع، وفيه أنه لا معنى لتوقفه على نفس الشرع إلا توقفه على ثبوته في نفسه كما لا يخفى.