والتكوينُ صفةٌ لله تعالى.
قال الشارح: (والتكوين) وهو المعنى الذي يعبر عنه بالفعل والخلق والتخليق والإيجاد والإحداث والاختراع ونحو ذلك، ويفسر بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود، (صفة لله تعالى) لإطباق العقل والنقل على أنه خالق للعالم مكون له وامتناع إطلاق اسم المشتق على الشيء من غير أن يكون مأخذ الاشتقاق وصفاً له قائماً به.
قال الخيالي:
قوله: (و يفسر بإخراج المعدوم) لم يرد به المعنى الإضافي بل الصفة التي هي مبدأ الإضافة كما في سائر العبارات فإنها دالة على الإضافة والمراد مبدؤها.
قال السيالكوتي:
قوله: (لم يرد به…إلخ) أي لم يرد بأخراج المعنى الإضافي الذي هو تعلق بين المخرج والمخرج إذ لا معنى لكنه صفة أزلية إذ هو نسبة بينهما لا يتحقق إلا بتحققهما فيكون حادثًا البتة لحدوث المخرج بل أراد الصفة الحقيقية التي هي مبدأ لهذه الإضافة وعلةلها، وكذا في سائر العبارات من الإيجاد والإحداث والإبداع والاختراع والإحياء والإماتة والخلق والتخليق والترزيق إلى غير ذلك في أنه ليس المراد معانيها التي هي الإضافات بل مبدؤها.
أزليةٌ.
قال الشارح: (أزلية) لوجوه: الأول: أنه يمتنع قيام الحوادث بذات الله تعالى لما مر. الثاني: أنه وصف ذاته في كلامه الأزلي بأنه الخالق، فلو لم يكن في الأزل خالقاً لزم الكذب أو العدول إلى المجاز، أي الخالق فيما يستقبل أو القادر على الخلق من غير تعذر الحقيقة، على أنه لو جاز إطلاق الخالق عليه بمعنى القادر على الخلق لجاز إطلاق كل ما يقدر هو عليه من الأعراض.
قال الخيالي:
قوله: (يمتنع قيام الحوادث بذاته تعالى) يرد عليه أنه يجوز أن يقوم بالغيركما ذهب إليه أبو الهذيل فإن رد بما سيجئ اتحاد الدليلان، وجوابه أنه مردود بأن صفة الشيء لا يقوم بغيره ولظهور بطلانه لم يتعرض له.
قوله: (لجاز إطلاق كل ما يقدر هو عليه) يرد عليه أن لزوم الجواز الشرعي ممنوع لتوقفه على عدم الإبهام والإذن ولزوم الجواز العقلي مسلم ولا مانع عنه.
قال السيالكوتي:
قوله: (يرد عليه أنه يجوز…إلخ) يعني لا نسلم أنه لو كان التكوين حادثًا يلزم أن يكون الصانع محلًّا للحوادث، إنما يلزم لو كانت قائمة بذاته تعالى، لم لا يجوز أن يقوم بغيره تعالى كما ذهب إليه أبو الهذيل من أن تكوين كل جسم قائم به؟ فإن رد هذا المنع ودفعه بما سيجيء في الوجه الرابع من أنه يلزم أن يكون كل جسم مكونًا لنفسه، إذ لا معنى للمكون إلا من قام به التكوين اتحد الدليلان أعني الأول والرابع، وهو ظاهر البطلان.
قوله: (و جوابه…إلخ) حاصله أن إتمام هذا الدليل واندفاع المنع المذكور مبني على امتناع قيام صفة الشيء بغيره بخلاف الوجه الرابع، فإنه لم يلتفت فيه إلى هذه المقدمة فاندفع المنع المذكور، ولم يتحد الدليلان.
قوله: (يرد عليه…إلخ) حاصله إن أراد بالجواز الجواز الشرعي فالملازمة ممنوعة لأن الجواز الشرعي موقوف على عدم إيهام ما لا يليق بكبريائه كما هو رأي المعتزلة والقاضي وعلى إذن الشارع كما هو رأي الأصحاب، وكلاهما مفقودان في مشتقات الأعراض المقدورة له تعالى، وإن أراد الجواز العقلي فالملازمة مسلمة لكن بطلان اللازم ممنوع لا بد لإثباته من دليل، ويمكن الجواب بأن المراد الجواز بحسب اللغة على ما ذكره المحشي فيما سبق، ولا شك أنه لا يصح إطلاق الأسود لغة على القادر على السواد، فإنه لا يقال للرجل الذي يقدر على صبغ السواد والحمرة إنه أسود وأحمر مع أنه يصدق عليه أنه قادر عليهما.
قال الشارح: الثالث: أنه لو كان حادثاً فإما بتكوين آخر فيلزم التسلسل وهو محال، ويلزم منه استحالة تكون العالم مع أنه مشاهد، وإما بدونه فيستغني الحادث عن المحدث والإحداث، وفيه تعطيل الصانع. والرابع: أنه لو حدث، لحدث إما في ذاته فيصير محلاً للحوادث أو في غيره كما ذهب إليه أبو الهذيل من أن تكوين كل جسم قائم به، فيكون كل جسم خالقاً أو مكوناً لنفسه، ولا خفاء في استحالته. ومبنى هذه الأدلة على أن التكوين صفة حقيقية كالعلم والقدرة، والمحققون من المتكلمين على أنه من الإضافات والاعتبارات العقلية، مثل كون الصانع تعالى وتقدس قبل كل شيء ومعه وبعده ومذكوراً بألسنتنا ومعبوداً لنا ويميتنا ويحيينا ونحو ذلك.
قال الخيالي:
قوله: (فإما بتكوين آخر فيلزم التسلسل) يرد عليه منع مشهور لجواز أن يكون تكوين التكوين عين التكوين وقد أشرنا إلى ما له وعليه ويمكن أن يقال نفس التكوين المتصف به الباري تعالى أزلا تعلق بوجود نفسه والاستحالة في سبق ذات الشيء على وجوده فاحفظ فإنه ينفعك في مواضع شتى.
قوله: (ومبني هذه الأدلة ) كأنه أراد ما عدا الدليل الثاني أو بنى الأمر على التغليب.
قال السيالكوتي:
قوله: (يرد عليه منع مشهور…إلخ) يعني أنا لا نسلم أنه لو كان التكوين حادثًا لكان إما مكونًا بتكوين آخر أو بدون التكوين، لم لا يجوز أن يكون مكونًا بالتكوين الذي هو نفس ذلك التكوين فلا يلزم التسلسل ولا وجود التكوين بلا تكوين؟ ويرد عليه أنه لا معنى لكون تكوين التكوين عينه إذ لا معنى لكون التأثر عين الأثر، وأجيب بأن المراد بكون تكوين التكوين عينه أنه ليس في اخارج إلا المكون أو التكوين، وأما تكوينه فأمر يعتبره العقل وليس له تحقق في الخارج ممتاز عنه بحسب الوجود الخارجي، فلا يحتاج إلى تكوين آخر لا بمعنى أن تكوين التكوين نفسه بحسب المفهوم حتى يرد كون التأثير عين الأثر، وهذا هو المراد بقوله وقد أشرنا إلى ما له وما عليه أي وقد أشرنا إلى ما ينفعه وما يضره.
قوله: (و يمكن أن يقال نفس التكوين…إلخ) يعني لا نسلم أنه لو كان التكوين حادثًا لاحتاج إلى تكوين آخر أو حدث بغير التكوين، لمَ لا يجوز أن يكون نفس التكوين من حيث اتصاف الباري تعالى به وقيامه به تعالى متعلقًا أولًا بوجود نفسه ثم بوجود سائر المحدثات؟ ولااستحالة في سبق ذات الشيء مع قطع النظر عن الوجود على وجوده سبقًا ذاتيًّا، وإن كان مقارنًا له في الزمان فإن وجود الصفات والاعراض إنما هو لقيامها بمحالها على ماقالوا من أن المحل مقوم لها وأن وجودها في نفسها هو وجودها في الموضوع، ولهذا يمتنع الانتقال عنها فيكون الصفات من حيث قيامها بالواجب مقدمًا بالذات على وجودها، وإن كانت مقارنة له في الزمان، فيجوز أن يكون التكوين من حيث قيامه بذات الواجب تعالى متعلقًا بوجود نفسه مقدمًا عليه بالذات مقارنًا له بالزمان، ولا استحالة في ذلك كما لا يخفى، قال المحشي المدقق: فيه أنه إذا كان متعلق التكوين وجوده يكون المكون هو الوجود، فإن كان الوجود مكونا يكون الموجود هو نفس التكوين أيضًا مكونًا ومتعلقًا للتكوين، فالتكوين المتعلق بنفس التكوين إن كان عينه يلزم سبق الشيء على نفسه وهو محال، وأيضًا لو كان وجود التكوين متعلقًا بنفسه يكون وجوده لذاته، فيكون واجبًا، وهو مناف لقيامه بذات الباري تعالى انتهى كلامه. ولا يخفى عليك أنه كلام منشؤه قلة التدبر وسوء الفهم، فإن اللازم هو أن يكون التكوين القائم بذات الباري تعالى بحسب الذات متقدمًا على وجوده تقدمًا ذاتيًّا، وهو لا يستلزم تقدم الشيء على نفسه لأن المقدم هو نفس التكوين والمؤخر هو التكوين من حيث الوجود، وكذا اللازم اقتضاء التكوين بشرط قيامه بالواجب ومدخلية ذاته فيه لوجوده، وهو لايستلزم كونه واجبًا لذاته، ولا نسد باب إثبات الصانع، تأمل فإنه كلام لا شبهة فيه، نعم يرد عليه أنه إنما يتم لو تم أن قيام الأعراض مقدم على وجودها بالذات وعلة له، لكن السيد السند قدس سره رد عليه في شرح المواقف وقال: إنه ليس بشيء، إذ يصح أن يقال: وجد السواد في نفسه فقام بالجسم، وللفاضل المحشي بحث بالترديد يظهر جوابه مما قررناه لك باختيار الشق الثاني بأدنى تأمل، فلا نصرح به مخافة الإطناب، فإن قيل إذا كان التكوين قائمًا بذاته تعالى يكون قديمًا لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، وهذا المنع لا يضر شيئًا، قلت: هذا رجوع إلى الدليل الأول، ولا شك في تماميته إنما الكلام في تمامية الدليل الثالث، هذا غاية تنقيح الكلام وجدته بعون الله الملك العلام.
قوله: (فاحفظه فإنه ينفعك في مواضع شتى) مثل الدليل الذي أورد في قدم الإرادة والقدرة بأنهما لو وجدتا فإما بإرادة وقدرة آخر فيلزم التسلسل أو بدونهما فيلزم الإيجاب، ولا يخفى جريان المنع المذكور تأمل.
قوله: (كأنه أراد ما عدا…إلخ) يعني أراد بالأدلة الأدلة الثلاثة سوى الدليل الثاني، فيكون الكلام على الحقيقة أو أراد الجميع، ومعنى الأمر على تغليب الأ كثر على الأقل، فيكون الكلام على المجاز، أما ابتناء ما سوى الثاني فلأنه لو لم يكن صفة حقيقية بل أمرًا اعتباريًّا لا يلزم قيام الحوادث بذاته تعالى بل قيام المتجدد وهو جائز لكونه قبل كل شيء وبعده ولا التسلسل ولا استغناء الحادث عن التكوين لأن اللزوم فرع كونه حادثًا، وهو فرع كونه موجودًا، وأما عدم ابتناء الدليل الثاني فإن مبناه لزوم الكذب أو المجاز في خبره تعالى ولا اختصاص بكونه حادثًا بل يعم الحادث والمتجدد كما لا يخفى، وقال بعص الأفاضل: الظاهر أن الدليل الثاني أيضًا مبني على كونه صفة حقيقية، إذ لو كان من الإضافات اتجه أن يقال: إنه يحب العدول إلى المجاز لتعذر الحقيقة إذ لو حمل على الحقيقة لزم إما قدم المكونات أو تحقق الإضافة بدون أحد المتضايقين وكلا الأمرين محال.
قال الشارح: والحاصل في الأزل هو مبدأ التخليق والترزيق والإماتة والإحياء وغير ذلك، ولا دليل على كونه – أي التكوين – صفة أخرى سوى القدرة والإرادة، فإن القدرة وإن كانت نسبتنها إلى وجود المكوّن وعدمه على السواء، لكن مع انضمام الإرادة تخصص أحد الجانبين.
ولما استدل القائلون بحدوث التكوين بأنه لا يتصور بدون المكون، كالضرب بدون المضروب، فلو كان قديماً لزم قدم المكونات، وهو محال.
قال الخيالي:
قوله: (ولا دليل على كونه صفة أخرى) ويخطر بالبال أن التكوين هو المعنى الذي نجده في الفاعل وبه يمتاز عن غيره ويرتبط بالمفعول وإن لم يوجد بعد وهذا المعني يعم الموجب أيضا بل نقول هو موجود في الواجب بالنسبة إلى نفس القدرة والإرادة فكيف لا يكون صفة أخرى.
قال السيالكوتي:
قوله: (ويخطر بالبال أن التكوين هو المعنى الذي…إلخ) يعني يخطر بالبال أن التكوين مغاير للقدرة والإرادة لأنا نجد بالضرورة في الفاعل عند تصوره بهذه الحيثية معنى به يمتاز عن غير الفاعل ويرتبط بتوسطه بالمفعول بحيث يصح أن يقال: إن هذا فاعل وذاك مفعول، ولا شك أن هذا المعنى متحقق في ذاته وإن لم يوجد المفعول فلا يكون عينه مثلًا أنا نجد في الضارب حين تصوره بحيثية كونه ضاربًا معنى به يمتاز عن غير الضارب ويرتبط بتوسطه بالضرب بحيث يصح أن يقال: إن الضرب أثره وإن لم يتحقق منه الضرب فلا يكون ذلك المعنى عين الضرب الذي هو أثره وهو مغاير للقدرة والإرادة أيضًا لأن هذا المعنى متحقق في الفاعل الموجب عند الحكماء بالنسبة إلى آثاره الصادرة عنه بطريق الإيجاب مع عدم تحقق القدرة والإرادة بل نقول ذلك المعنى متحقق في ذات الواجب تعالى بالنسبة إلى صفاته الصادرة عنه بطريق الإيجاب كالقدرة والإرادة فيكون مقدمًا عليها بالذات، فكيف لا يكون صفة مغايرة لها؟ وبما ذكرنا اندفع ما قال المحشي المدقق من أن في هذا الكلام اعترافًا بأن صفاته تعالى موجودة بالاختيار وهذا مشكل لاسيما في القدرة والإرادة بل في العلم أيضًا لأنه إنما يلزم ذلك لو كان استنادها إليه بتوسط القدرة والإرادة وليس كذلك، بل إلى الذات المتصف بالتكوين والإيجاد بطريق الإيجاب، ولا إشكال فيه بل هذا بما اتفق عليه المتأخرون واستحسنوه، فإن قيل إذا كان ذلك المعنى موجودًا في الواجب بالنسبة إلى القدرة والإرادة بل إلى سائر الصفات يكون بالنسبة إلى نفسه أيضًا، فيحتاج إلى معنى آخر يرتبط به ويمتاز عن غيره ويتسلسل أو يلزم تحقق الفاعل بدون ذلك المعنى، قلت: ذلك المعنى صادر عنه تعالى بتوسط نفس ذلك المعنى، ولا يحتاج إلى معنى آخر كما مر في الحاشية السابقة فتأمل، نقل عنه، وأما أنه موجود أم لا فهو بحث آخر على أن طريق وجود سائر الصفات إن استقام يوصل إلى أنه موجود أيضًا انتهى كلامه. يعني أن المقصود ههنا هو إثبات المعنى المغاير لسائر الصفات، وأما أنه موجود أو أنه أمر اعتباري يعتبره العقل من نسبة الفاعل إلى المفعول وليس في الخارج أمر زائد عليهما فهو بحث آخر على أنه لو تم طريق إثبات وجود الصفات وزيادتها من أنه تعالى عالم وقادر ومريد، ولا معنى لها إلا من اتصف بالعلم والقدرة والإرادة أوصل ذلك الطريق بعينه إلى إثبات وجود التكوين وزيادته على الذات بأن يقال إنه تعالى خالق كل شيء، ولا معنى للخالق إلا من اتصف بالخلق، فلا بد أن يكون أمرًا موجودًا زائدًا على ذاته تعالى كسائر الصفات، وبما ذكرناه اندفع ما قيل: إن ما به الامتياز والارتباط نفس الذات، وعلى تقدير تسليم كونه أمرًا زائدًا على الذات سوى القدرة والإرادة يجوز أن يكون أمرًا اعتباريًّا، ودعوى وجوب كون ما به الامتياز والارتباط أمرًا خارجيًّا غير مسموع ما لم يقم عليه برهان، وشهادة الوجدان في أمثال هذه المباحث غير معقول، ووجه الاندفاع ظاهر لا سترة فيه.
وهو تكوينُهُ للعالمِ ولكل جُزءٍ من أجزائِهِ لوقتِ وجودِهِ.
قال الشارح: أشار إلى الجواب بقوله: (وهو) أي التكوين (تكوينه تعالى للعالم ولكل جزء من أجزائه) لا في الأزل، بل (لوقت وجوده) على حسب علمه وإرادته فالتكوين باق أزلاً وأبداً، والمكوّن حادث بحدوث التعلق، كما في العلم والقدرة وغيرهما من الصفات القديمة التي لا يلزم من قدمها قدم تعلقاتها، لكون تعلقاتها حادثة. وهذا تحقيق ما يقال: إن وجود العالم إن لم يتعلق بذات الله تعالى أو صفة من صفاته لزم تعطيل الصانع واستغناء تحقق الحوادث عن الموجد، وهو محال. وإن تعلق فإما أن يستلزم ذلك قدم ما يتعلق وجوده به فيلزم قدم العالم، وهو باطل، أو لا فليكن التكوين أيضاً قديماً مع حدوث المكون المتعلق به.
قال الخيالي:
قوله: (المكون حادث بحدوث التعلق) أو بكون التعلق الأزلي بوجوده في وقت مخصوص وهذا هو الأنسب بالمتن.
قال السيالكوتي:
قوله: (أو لكون التعلق…إلخ) يعني أن تكوينه لكل جزء من أجزاء العالم قديم، والمكون بفتح الواو حادث لكون التعلق الأزلي بوجوده في وقت مخصوص، فيتوقف على وجود ذلك الوقت فيكون حادثًا مثلًا تعلق التكوين بوجود زيد في الأزل في وقت كون الشمس في الأسد، فيتوقف على تحقق ذلك الوقت فيكون حادثًا، وإن كان التكوين متعلقًا به في الأزل.
قوله: (وهذا هو الأنسب بالمتن) لا يظهر وجه الأنسبية، فإنه يحتمل أن يكون معنى عبارة المصنف هو تكوينه الذي يتعلق بالعالم وبكل جزء من أجزائه في وقت وجوده، فحينئذ يكون إشارة إلى أن تعلقاته حادثة على حسب تجدد الأوقات، ويحتمل أن يكون معناه هو تكوينه الذي تعلق في الأزل بوجود العالم وبكل جزء من أجزائه في وقت وجوده، فحينئذ يكون تعلقاته قديمة ويكون حدوث المكونات بحدوث أوقات وجودها، اللهم إلا أن يقال: إن الظاهر على الاحتمال الأول أن يقول هو تكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه عند تعلقه به، فعدم تعرضه للتعلق وتعرضه للوقت يرجح الاحتمال الثاني.
قال الشارح: وما يقال من أن القول بتعلق وجود المكون بالتكوين قول بحدوثه إذ القديم ما لا يتعلق وجوده بالغير والحادث ما يتعلق وجوده به، ففيه نظر، لأن هذا معنى القديم والحدث بالذات على ما يقوله به الفلاسفة، وأما عند المتكلمين فالحدث ما يكون لوجوده بداية، أي كون مسبوقاً بالعدم، والقدم بخلافه، ومجرد تعلق وجوده بالغير لا يستلزم الحدوث بهذا المعنى، لجواز أن يكون محتاجاً إلى الغير صادراً عنه دائماً بدوامه كما ذهب إليه الفلاسفة فيما ادعوا قدمه من الممكنات، كالهيولى مثلاً.
قال الخيالي:
قوله: ( وما يقال) أي في جواب استدلال القائلين بحدوث التكوين وحاصله مع الملازمة في قوله ولو كان قديما لزم قدم المكونات وقد يتوهم أنه اعترض على قوله وإن تعلق فإما أن يستلزم إلخ وحاصله أن الترديد قبيح إذ التعلق يستلزم الحدوث وليس بشيئ لشيوع نظائره توسيعا للدائرة ألا يرى أنه ردد وجود العالم بين التعلق بالذات والصفات وبين عدمه على أنه يجوز أن يكون الجواب إلزاميا.
قال السيالكوتي:
قوله: (وحاصله منع الملازمة…إلخ) أي لا نسلم أنه لو قدم التكوين قدم المكونات، كيف والقول بتعلق وجود المكونات بالتكوين قول بحدوثها؟ إذ القديم ما لا يتعلق وجوده بإيجاد شيء آخر، وما قاله الفاضل المحشي من أنه لا يتصور منع الملازمة فإن التكوين نسبة متأخرة عن المكون عند القائلين بحدوث التكون كما أن الضرب متأخر عن المضروب، فلو كان التكوين قديمًا يلزم قدم المكون لأن قدم النسبة يستلزم قدم المنتسبين كما أن قدم الضرب يستلزم قدم المضروب، فهو خبط محض إذ لامعنى لتأخر التكوين عن المكون، كيف والشارح حقق فيما بعد على مذهب القائلين بكون التكوين إضافة أنه عبارة عن تعلق القدرة على وفق الإرادة بوجود المقدور في وقت وجوده، ولا شك أن ذلك التعلق مقدم على وجود المقدور، ولعل ذلك الخبط وقع من تشبيههم للتكوين بالضرب، وهو ليس إلا في مجرد كونه من قبيل الإضافات لا في كونه متأخرًا عن المكون مثل الضرب عن المضروب على ما صرح به بعض الأفاضل في حل قوله: ولما استدل القائلون بحدوث إلخ.
قوله: (وقد يتوهم…إلخ) يعني قد يتوهم أن قوله: وما يقال ليس جوابًا عن استدلال القائلين بل هو اعتراض على قوله: إن تعلق فإما أن يستلزم إلخ. وحاصله أن ترديد التعلق بين استلزامه القدم أو الحدوث قبيح غير محتمل لأن تعلق وجود شيء بشيء يستلزم احتياج الأول إلى الثاني في الوجود فيستلزم الحدوث البتة، إذ لا معنى للحدوث إلا الاحتياج إلى الغير في الوجود.
قوله: (وليس بشيء…إلخ) يعني ما يتوهم في توجيه ما يقال ليس بشيء لأن أمثال هذا الترديد شائعة كثيرة الوقوع في كتب القوم والغرض منه توسيع الدائرة وإحاطة الاحتمالات العقلية بحيث لا يبقى للخصم مجال للكلام، ألا يرى أنه قد ردد المردد وجود العالم بين التعلق بذاته أو بصفة من صفاته وبين عدم التعلق مع أن عدم التعلق مما لا معنى له إذ لا يمكن ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، وقد سلم المعترض أيضًا صحة هذا الترديد حيث لم يعترض عليه تأمل.
قوله: (قوله أنه يجوز أن يكون الجواب…إلخ) يعني أن يكون الجواب إلزاميًّا لإسكات الخصم ويكون الترديد مبنيًّا على ما هو مسلم عنده وإن كان فاسدًا في نفس الأمر فإن الخصم القائل بحدوث التكوين يقول: إن الاحتياج لا يستلزم الحدوث، بل قد يكون الشيء مع احتياجه قديمًا حيث قال: لو قدم التكوين لزم قدم المكونات مع احتياجها إلى التكوين، قال الفاضل المحشي في توجيه العلاوة أي يكون الجواب الذي فيه الترديد المذكور جوابًا إلزاميًّا على القائلين بحدوث التكوين، فلا يلزم أن يكون الترديد قبيحًا، فإن للمجيب حينئذ أن يذهب إلى جميع الاحتمالات العقلية الباطلة حتى يحصل الإلزام انتهى كلام.ه ولا يخفى عليك فساد هذا التوجيه إذ هو عين ما ذكره بقوله: وليس بشيء لشيوع نظائره توسيعًا للدائرة، فلا معنى للعلاوة.
قال الشارح: نعم إذا أثبتنا صدور العالم عن الصانع بالاختيار دون الإيجاب بدليل لا يتوقف على حدوث العالم كان القول بتعلق وجوده بتكوين الله تعالى قولاً بحدوثه. ومن هاهنا يقال: التنصيص على كل جزء من أجزاء العالم إشارة إلى الرد على من زعم قدم بعض الأجزاء كالهيولى، وإلا فهم إنما يقولون بقدمها بمعنى عدم المسبوقية بالعدم، لا بمعنى عدم تكونه بالغير. والحاصل أنا لا نسلم أنه لا يتصور التكوين بدون وجود المكون، وإن وزانه معه كوزان الضرب مع المضروب، فإن الضرب صفة إضافية لا يتصور بدون المضافين، أعني: الضارب والمضروب والتكوين صفة حقيقية هي مبدأ الإضافة التي هي إخراج المعدوم من العدم إلى الوجود، لا عينها، حتى لو كانت عينها على ما وقع في عبارة المشايخ لكان القول بتحققها بدون المكون مكابرة وإنكاراً للضروري، فلا يندفع بما يقال من أن الضرب عرض مستحيل البقاء، فلا بد من تعلقه بالمفعول ووصل الألم إليه من وجود المفعول معه، إذ لو تأخر لانعدم وهو بخلاف فعل الباري، فإنه أزلي واجب الدوام يبقى إلى وقت وجود المفعول.
قال الخيالي:
قوله: (و من ههنا) أي ومن أجل أن المراد بالحادث ما لوجوده بداية وبالقديم خلافه.
قال السيالكوتي:
قوله: (ومن أجل المراد…إلخ) يعني ومن أجل أن المراد بالحادث ما يكون مسبوقًا بالعدم ومخرجًا من العدم إلى الوجود وبالقديم خلافه، يقال: إن التنصيص على كل جزء من أجزاء العالم إشارة إلى رد من زعم قدم العالم ببعض أجزائه كالهيولى والصورة لأنه إذا كان معنى الحادث ما ذكر يكون معنى التكوين الذي هو نفس الإحداث الإخراج من العدم إلى الوجود، فيكون ردًّا على من زعم أن بعض أجزائه غير مخرجة من العدم بخلاف ما إذا كان معناه المحتاج إلى الغير في الوجود، فإنه يكون معنى التكوين الاحتياج إلى الغير في الوجزد، فلا يحصل الرد على ذلك الزاعم لأنه أيضًا يقول بالحدوث بهذا المعنى، وبما حررنا لك اندفع ما قال بعض الأفاضل: إن مجرد الحادث عندنا ما لوجوده بداية لا يوجب إضافة التكوين يوجب الحدوث بمعنى ثبوت البداية للوجود، ووجه الاندفاع ظاهر، وفسر ذلك البعض قوله ومن ههنا بقوله: أي من إثبات اختيار الصانع كذلك، ولا يخفى أنه يأبى عنه قول الشارح فيما بعد: وإلا فهم إنما يقولون بقدمها بمعنى عدم المسبوقية إلخ كما لايخفى على أولي الأفهام.
وهو غيرُ المكوَّنِ عندَنا.
قال الشارح: (وهو غير المكون عندنا) لأن الفعل يغاير المفعول بالضرورة، كالضرب مع المضروب والأكل مع المأكول، ولأنه لو كان نفس المكون لزم أن يكون المكون مكوناً مخلوقاً بنفسه، ضرورة أنه مكون بالتكوين الذي هو عينه، فيكون قديماً مستغنياً عن الصانع، وهو محال.
وأن لا يكون للخالق تعلق بالعالم سوى أنه أقدم منه وقادر عليه من غير صنع وتأثير فيه، ضرورة تكونه بنفسه، وهذا لا يوجب كونه خالقاً والعالم مخلوقاً له، فلا يصح القول بأنه خالق العالم وصانعه، هذا خلف. وأن لا يكون الله تعالى مكوناً للأشياء، ضرورة أنه لا معنى للمكون إلا من قام به التكوين، والتكوين إذا كان عين المكون لا يكون قائماً بذات الله تعالى، وأن يصح القول بأن خالق سواد هذا الحجر أسود، وهذا الحجر خالق السواد، إذ لا معنى للخالق والأسود إلا من قام به الخلق والسواد، وهما واحد، فمحلهما واحد، وهذا كله تنبيه على كون الحكم بتغاير الفعل والمفعول ضرورياً، لكنه ينبغي للعاقل أن يتأمل في أمثال هذه المباحث ولا ينسب إلى الراسخين من علماء الأصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة على من له أدنى تمييز، بل يطلب لكلامهم محملاً صحيحاً يصلح محلاً لنزاع العلماء واختلاف العقلاء، فإن من قال: التكوين عين المكون أراد أن الفاعل إذا فعل شيئاً فليس هاهنا إلا الفاعل والمفعول، وأما المعنى الذي يعبر عنه بالتكوين والإيجاد ونحو ذلك فهو أمر اعتباري يحصل في العقل من نسبة الفاعل إلى المفعول، وليس أمراً محققاً مغايراً للمفعول في الخارج ولم يرد أن مفهوم التكوين هو بعينه مفهوم المكون ليلزم المحالات. وهذا كما يقال: إن الوجود عين الماهية في الخارج، بمعنى أنه ليس في الخارج للماهية تحقق ولعارضها المسمى بالوجود تحقق آخر حتى يجتمعان اجتماع القابل والمقبول كالجسم والسواد، بل الماهية إذا كانت فتكوّنها هو وجودها لكنهما متغايران في العقل، بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الماهية دون الوجود وبالعكس، فلا يتم إبطال هذا الرأي إلا بإثبات أن تكوّن الأشياء وصدورها عن الباري تعالى يتوقف على صفة حقيقية قائمة بالذات مغايرة للقدرة والإرادة. والتحقيق أن تعلق القدرة على وفق الإرادة بوجود المقدور لوقت وجوده إذا نسب إلى القدرة يسمى إيجاباً له، وإذا نسب إلى القادر يسمى الخلق والتكوين، ونحو ذلك، فحقيقته كون الذات بحيث تعلقت قدرته بوجود المقدور لوقته، ثم يتحقق بحسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الأفعال كالترزيق والتصوير والإحياء والإماتة غير ذلك إلى ما لا يكاد يتناهى، وأما كون كل من ذلك صفة حقيقية أزلية فمما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر، وفيه تكثير للقدماء جداً, إن لم تكن متغايرة. والأقرب ما ذهب إليه المحققون منهم، وهو أن مرجع الكل إلى التكوين، فإنه إن تعلق بالحياة يسمى إحياء وبالموت يسمى إماتة وبالصورة تصويراً وبالرزق ترزيقاً إلى غير ذلك، فالكل تكوين وإنما الخصوص بخصوصية التعلقات.
قال الخيالي:
قوله: (وهو غير المكون عندنا) جعله بعضهم من تتمة الجواب وحمل الغير على المصطلح وقال وهو غيره لصحة الانفكاك بينهما فلا يكون إضافة كالضرب وإلا لما كان غير الامتناع انفكاكه حينئذ عن المكون وليس بشيء لأن صحة الانفكاك في التكوين غير مسلمة عند الخصم وفي المكون موجودة في الإضافة أيضا على أن عدم الغيرية لا يكفيه اللزوم من جانب كالعرض مع المحل والصفة المحدثة مع الذات.
قوله: (لأن الفعل يغاير المفعول) قيل عليه التكوين ليس نفس الفعل بل مبتدأه ولو سلم لم يكن غيرا لامتناع انفكاكه ولو سلم لكان غير الفاعل أيضا فتكون الصفة غير الذات، وجوابه أن الكلام إلزامي فإن القائل بالعينية ينفي كونه صفة حقيقية ويمكن أن يراد بالفعل ما به الفعل ويكون قوله كالضرب تنظيرا لا تمثيلا وقد عرفت آنفا جواب التسليم الأول بل الثاني أيضا فتدبر.
قوله: (مستغنيا عن الصانع) إذ الاحتياج إليه إنما هو التكوين والإيجاد.
قوله: (أقدم منه) القدم إما لغوي فالمعنى أدوم منه وأسبق إذ العالم حادث وإما اصطلاحي بأن يلاحظ لزوم قدم العالم أيضا فالمعنى أقوى منه قدما وأولى به لأنه قديم بدون التكوين.
قال السيالكوتي:
قوله: (جعله بعضهم من تتمة الجواب…إلخ) يعني أن الشارح جعل قوله: وهو غير المكون كلامًا مستقلًّا بيانًا للمسألة التي اختلف فيها الماتريدية والأشعرية حيث ذهب الماتريدية إلى أنه غير المكون والأشعرية إلى أنه عينه، وحمل الغير على مايقابل العين بحسب المفهوم لأن الدلائل المقررة في إثبات هذا المطلب إنما تثبت المغايرة بحسب المفهوم لا التحقق، وجعل بعض الشراح هذا الكلام من تتمة جواب الشبهة التي أوردها القائلون بحدوث التكوين وحمل الغير المذكور فيه على الغير المصطلح وهو مايمكن انفكاكه في الوجود أو في الحيز، وقال في تقرير الجواب أنه لا يلزم من قدم التكوين قدم المكون لأن تكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه يتعلق في وقت وجوده وهو غير المكون عندنا لصحة الانفكاك بينهما من الجانبين لأن التكوين ثابت في الأزل بدون المكون ضرورة أن تعلقه بالمكونات فيما لا يزال وقت وجودها وكذا المكون منفك عنه في الحيز، فلا يكون التكوين إضافة كالضرب حتى يلزم ما ذكر بل صفة حقيقية ذات إضافة وإلا أي وإن كان إضافة لم يكن غير الامتناع انفكاكه حين كونه إضافة عن المكون ضرورة أن النسبة لا تتحقق بدون المنتسبين.
قوله: (وليس بشيء…إلخ) أما ما جعله بعض الشراح ليس بشيء لأن صحة الانفكاك من جانب التكوين غير مسلمة عند الخصم لأن التكوين عنده إضافة لا تتحقق بدون المكون وصحة الانفكاك في جانب المكون لا يفيد في إثبات كونه صفة حقيقية حتى لا يلزم من قدمه قدم المكونات لأنها موجودة حال كونه إضافة فإن المكون حال بقائه موجود بدون التكوين، فلا يتم الجواب عن الشبهة المذكورة ويخطر بالبال أن الجواب المذكور غير موقوف على أن تكون صحة الانفكاك في جانب التكوين مسلمة عند الخصم القائل بحدوثه لأن الشبهة المذكورة كانت واردة على مذهب القائلين بقدم التكوين، فيكفيها الجواب على مذهبهم، كيف وحاصل الجواب منع الملازمة أي لا نسلم أنه يلزم من قدم التكوين قدم المكونات لأن التكوين غير المكون عندنا لصحة الانفكاك بينهما عندنا، فلا يكون إضافة كالضرب، ولا شك أنه لا معنى حينئذ لأن يقال: إنا لا نسلم صحة الانفكاك بينهما يدل على ما قلنا تفسير المصنف قوله: وهو غير المكون بقوله عندنا دلالة لا تشوبها ريبة على أنه لو كان صحة الجواب موقوفًا على تسليم الخصم لم يتم الجواب المذكور بقوله: وهو تكوين للعالم، ولكل جزء من أجزائه لوقت وجوده أيضًا لأن الخصم لا يسلم كون التكوين صفة تتعلق بالمكونات في وقت وجودها بل عنده نفس التعلق.
قوله: (على أن عدم الغيرية لا يكفيه…إلخ) منع للملازمة التي ذكرها ذلك البعض بقوله: وإلا لما كان غيرًا يعني أنا لا نسلم أنه لو كان إضافة لم يكن غيرًا لأن كونه إضافة إنما يستلزم اللزوم وعدم الانفكاك من جانب واحد، وهو لا يستلزم عدم الغيرية إذ لا يكفيه اللزوم من جانب واحد كالعرض الجزئي مع المحل الجزئي، والصفة المحدثة مع الذات، فإن اللزوم من جانب العرض والصفة متحقق مع أنهما مغايران للمحل والذات، ولا يخفى أن هذا المنع لا يضر إذ يكفي في الجواب أن يقال: وهو غيره لصحة الانفكاك بينهما من الجانبين عندنا، فلا يكون إضافة عندنا كالضرب وإلا لامتنع انفكاكه حينئذ عن المكون من غير ذكر نفي الغيرية في البين.
قوله: (والصفة المحدثة مع الذات) أراد به الصفات المتجددة لذاته تعالى من كونه قبل كل شيء وبعده وخالقًا ورازقًا ومحييًا ومميتًا إلى غير ذلك من الإضافات، فلا يرد ما قال الفاضل الجلبي: إن الصفات المحدثة داخلة في العرض، فذكرها مستدرك، قال في شرح المواقف: من الصفات ماهي غير الذات كصفات الأفعال من كونه خالقًا ورازقًا ونحوهما.
قوله: (قيل عليه أن التكوين…إلخ) قائله من جعل قوله: وهو غير المكون من تتمة الجواب باحثًا على وجيه الشارح، وحاصله أن الدليل لا يثبت المدعى لأن المدعي إثبات مغايرة التكوين الذي هو مبدأ الفعل للمكون على ما يدل عليه عندنا، فإن التكوين عند المصنف، ومن يوافقه مبدأ الفعل، ولذا جعله صفة أزلية واللازم من الدليل هو تغاير الفعل الذي هو أثره للمفعول.
قوله: (ولو سلم لم يكن غير…إلخ) يعني لو سلم أن التكوين نفس الفعل لا مبدؤه، فلا يكون غيرًا لامتناع انفكاكه عن المكون ضرورة عدم تحقق الإضافة بدون المضافين، ولو سلم غيرته بالمفعول يلزم أن يكون مغايرًا للفاعل أيضًا لأن الانفكاك من جانب واحد أعني من جانب الفاعل متحقق ههنا أيضًا فيلزم أن تكون الصفة غير الذات، وهو مخالف لما تقرر عندهم من أن الصفات ليست غير الذات، ولا يخفى عليك أن التسليمين غير وارد على الشارح إذ لم يحمل الغير على المصطلح بل على ما يقابل العين بحسب المفهوم كما تفصح عنه الدلائل الموردة في إثبات الغيرية، وقوله: هذا كله تنبيه على كون إلخ. وجعلها إيرادًا على تقدير أن يكون قوله: وهو غير المكون من تتمة الجواب بجعل الغير على المصطلح على ماقاله المحشي المدقق فليس بشيء لأن هذا الدليل أعني قوله: لأن الفعل يغاير المفعول من الشارح وهو لم يجعل قوله: وهو غير المكون من تتمة الجواب ولم يحمل الغير على المصطلح.
قوله: (وجوابه أن الكلام إلزامي…إلخ) يعني أن هذا الاستدلال مبني على مذهب الخصم القائل بأن التكوين عين المكون وأنه إضافة والغرض منه إلزامه، وحاصله أن التكوين غير المكون لأن التكوين على ما زعمت من أن نفس الفعل والفعل مغاير للمفعول بالضرورة.
قوله: (ويمكن أن يراد…إلخ) أي يمكن أن يقال في دفع الاعتراض أن المراد بالفعل ما به الفعل ومبدؤه إما حقيقة عرفية فإن الفعل والخلق والتخليق والاختراع والأحداث والتكوين وإن كان يدل على المعنى الإضافي لكن المراد في اصطلاحهم مبدؤه على ما مر، وإما مجازًا بذكر اللازم وإرادة الملزوم، ويكون قوله: كالضرب تنظيرًا لا تمثيلًا حتى يرد أن الضرب ليس مبدأ الفعل بل نفس الفعل، فلا يكون موافقًا للمثل له.
قوله: (وقد عرفت آنفًا جواب…إلخ) لعل هذا الجواب من المحشي مبني على تقدير تسليم أن يكون المراد بالغير المصطلح، نقل عنه فإن قوله: ليس بشيء لأن صحة الانفكاك إلخ. جواب صريح عن التسليم الأول وفي قوله: والصفة المحدثة مع الذات إشارة إلى الجواب عن التسليم الثاني يعني أن الفعل بمعنى الإضافة حادث، ولا محذور في مغايرة الصفة المحدثة مع الذات انتهى كلامه. والأظهر أن يقول فإن قوله: على أن عدم الغيرية لا يكفيه اللزوم من جانب واحد جواب صريح عن التسليم الأول، وأراد بقوله: حادث متجدد لأن الفعل بمعنى الإضافة أمر اعتباري لا وجود له في الخارج وكذا في الصفة المحدثة لعدم الصفة المحدثة لذاته تعالى وإلا لزم كونه محلًّا للحوادث بل له صفات متجددة ككونه قبل كل شيء وبعده ومحييًا ومميتًا ورازقًا وخالقًا إلى غير ذلك من الإضافات والاعتبارات.
قوله: (إذ الاحتياج إليه) يعني أن احتياج المكون إلى الصانع إنما هو في التكوين والإيجاد، فإذا كان الإيجاد عين ذاته يكون المكون محتاجًا في وجوده إلى ذاته، إذ لو احتاج إلى موجد غيره يكون الإيجاد صفة لذلك الغير، فلا يكون عين المكون، وهذا خلف فيكون مستغنيًا عنه وقديمًا لاقتضاء ذاته وجوده، قيل: تفسير التكوين بالإيجاد إشارة إلى أن المراد بالتكوين الإضافة لا مبدؤها، فيكون هذا الكلام إلزاميًّا أيضًا.
قوله: (القدم إما لغوي…إلخ) يعني أن القدم إما مأخوذ من القدم اللغوي وهو مبني الزمان الطويل المعبر عنه بالفارسية بيش بودن، فالمعنى أنه أدوم من العالم وأسبق منه بالزمان بمعنى أنه مضى عليه زمان طويل لم يمض على العالم ضرورة أنه حادث، وهذا على تقدير أن لا يلاحظ لزوم قدم العالم، وأما من القدم الاصطلاحي بمعنى عدم سبق العدم، فالمعنى أنه أقوى قدمًا، وأولى من العالم، وهذا على تقدير أن يلاحظ لزوم قدم العالم، فإن التكوين إذا كان نفسه يكون قديمًا إلا أنه لا يكون قديمًا كالواجب لأنه قديم بالتكوين لأن وجوده به، فلا بد أن يلاحظ المكون بعنوان كونه عين التكوين في حكم العقل بكونه قديمًا حتى لو غفل عن هذه الملاحظة لا يحكم العقل بقدمه بخلاف الواجب تعالى، فإن ذاته علة مقتضية لوجوده، فلا حاجة في الحكم بقدمه إلى ملاحظة ذاته بعنوان أمر آخر لو غفل عنه لم يحكم بقدمه فيكون الواجب أشد وأقوى قدمًا عند العقل، وهذا على طبق ما قال الحكماء: إن الموجود الذي وجوده عينه أقوى موجودية من الموجود الذي وجوده مقتضى ذاته إذ لا يمكن تصور الخلو عن الوجود في الأول بخلاف الثاني، وإن كان الخلو عن الوجود فيهما محالًا في الخارج فتدبر. ولا تلتفت إلى ما قال الفاضل المحشي من كون الواجب أقوى قدمًا محل بحث.
والإرادةُ صفةٌ لله تعالى أزليةٌ قائمةٌ بذاتِهِ تعالى.
قال الشارح: (والإرادة صفة لله تعالى أزلية قائمة بذاته) كرر ذلك تأكيداً وتحقيقاً لإثبات صفة قديمة لله تعالى تقتضي تخصيص المكونات بوجه دون وجه، وفي وقت دون وقت، لا كما زعمت الفلاسفة من أنه تعالى موجب بالذات لا فاعل بالإرادة والاختيار، والنجارية من أنه مريد بذاته لا بصفته، وبعض المعتزلة من أنه مريد بإرادة حادثة لا في محل، والكرامية من أن إرادته حادثة في ذاته. والدليل على ما ذكرنا الآيات الناطقة بإثبات صفة الإرادة والمشيئة لله تعالى، مع القطع بلزوم قيام صفة الشيء به وامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى.وأيضاً نظام العالم ووجوده على الوجه الأوفق الأصلح دليل على كون صانعه قادراً مختاراً، وكذا حدوثه إذ لو كان صانعه موجباً بالذات لزم قدمه ضرورة امتناع تخلف المعلول عن علته الموجبة.
قال الخيالي:
قوله: (دليل على كون صانعه قادرا مختارا) وذلك بحكم الضرورة فمن توهم توقف هذا الدليل على إبطال قول الحكماء أن هذا النظام أوفق الوجوه الممكنة وأكملها فلمناسبة الكمال أوجبه المبدأ الكامل فقد خفي عليه الضروريات نعم قد يناقش باحتمال الواسطة.
قال السيالكوتي:
قوله: (وذلك بحكم…إلخ) يعني كون نظام العالم على الوجه الأوفق والأصلح دليلًا على كون صانعه قادرًا مختارًا حكم يدعونه الأصحاب من الضروري فإنه إذا كان موجبًا لم يكن على الوجه الأصلح بل على الوجه المتعين الذي لا وجه وراءه هذا لكن دعوى الضرورة في محل المناقشة خصوصًا إذا ادعى الخصم أن مبدأه لما كان كاملًا من جميع الوجوه يكون أثره أيضًا على الوجه الأكمل غير مسموع لأنه لا بد له من دليل.
قوله: (نعم تمكن المناقشة باحتمال الواسطة) بأن يقال: نظام العالم على الوجه المذكور إنما يدل على كون مؤثره عالمًا قادرًا مختارًا ولم يقتض أن يكون الواجب كذلك، إذ يجوز أن يكون ذلك المؤثر وسطًا مختارًا صادرًا عن الواجب بطريق الإيجاب، والجواب بأن ما سوى الله حادث، ولا يمكن استناده إلا بطريق الاختيار غير تام لأنه مبني على إثبات حدوث جميع ما سوى الله، وهو لم يثبت جدًّا، بل إنما يثبت حدوث ما ثبت وجوده من الممكنات، واستدل عليه بعض الأكابر بأن كل ما سوى الواجب تعالى ممكن، وكل ممكن مفتقر إلى مؤثر وكل مفتقر محدث لأن تأثير المؤثر فيه بالإيجاد، لا يجوز أن يكون حال البقاء لاستحالة إيجاد الموجد، فبقي أن يكون إما حال الحدوث أو حال العدم، وعلى التقديرين يلزم حدوث الأثر، وفيه أنه لو تم لاستلزم إما القول بحدوث صفاته تعالى أو القول بأنها واجبة بالذات وكلا الأمرين مشكل.